متى يستريح المغرب على اريكة سيغموند فرويد

متى يستريح المغرب على أريكة سيغموند فرويد؟
في لحظة مسروقة من أنفة الحكم وعناد السلطة، شعر المغرب أن أحواله ليست على مايرام، وأن أعراضا كثيرة قد ألمّت به وانهكت جسده: تخبّطٌ في الدورة الاقتصادية، وعسرٌ في تحقيق الوعود الوردية، وانخفاضٌ حادٌّ في مستوى البصر باتجاه استراتيجية التنمية، ونقصٌ مزمنٌ في مناعة الفساد، وضعف في كرات الكفاءة، واضطراب في جينات المساءلة والمحاسبة. ولم تسلم صمامات القلب من تقرحات اليأس والقنط في الشارع الغاضب، فضلا عن ارتفاع حاد في كوليسترول السلطوية.
فقرر أن يعرض نفسه على مجموعة متمرسة في الطب البيولوجي وطب النفس وعلم الاجتماع وبقية أهل الخبرة، عملا بنصيحة ما يُعرف ب”الطب الشمولي” holistic medicine.
وبعد الفحوص الأولية، قضى المغرب اليوم الاول كاملا في المجمع الطبي بين تلاحق التحاليل المغناطيسية والإشعاعية والنووية وغيرها. ولا تزال القائمة طويلة بفحوص إضافية على الدماغ ومدى انسجامه مع نبض بقية الأعضاء.
انتقل المغرب في الوقت الثاني إلى المصحة النفسية لعل وعسى ألا يكون ضيق النفس نتيجة التهاب رئوي، بل مجرد لحظة رمادية ستمر كسحابة صيف عابرة. لكن علماء النفس اكتشفوا سلسلة أعراض متداخلة ومسكوت عنها منذ سنوات وعقود بحكم كبرياء السياسة التقليدية وانتفاخ أنا النفوذ. كشفت التحريات إصابة المغرب بنكران الواقع، وانفصام الشخصية بين خطاب الينبغيات وممارسة النسج على منوال تعثرات الماضي القريب والبعيد. والأهم من ذلك، مركّب العناد والمكابرة لحقيقة الفشل المتكرر في التعليم والصحة والعدل ومجالات حيوية أخرى.
وتبين أيضا أن المغرب مهووس بالقلق الأمني، وأن حالة الأرق والسهر المتكرر تزيد في تشنجه وحدّة مزاجه بالتخوين والمحاكمة والمعاقبة لمن يخدشون علياء كبريائه. واهتدى أطباء النفس إلى معضلة نفسية جديدة من صنف مغربي خالص أصبحوا يسمونها عقدة “اطحن مّو، اسجن مّو، عرّي مّها، خوّر مّها…”.
لم يقبل المغرب بنتائج هذه الفحوص، واحتدت نبرته في وجه هؤلاء الأطباء الذي وصفهم ب”الأغبياء”، و “المتآمرين عليه”، و”العدميين”، وبقية ألفاظ التقزيم المعهودة. كبر السجال والطعن في مهارة هؤلاء “المتطفلين” على فحص الجسد المغربي، فقرر مدير المستشفى عرض القضية على أنظار أشهر خبير في الطب النفسي، فجاء سيغموند فرويد من فيينا على أول طائرة. وبعد المراجعة والتدقيق، بدت عيناه تحولقان في رأسه، فأقر ّ بأن الحالة تفوق حدود خبرته. وبعد أن حكّ رأسه وأعاد نظارتيه فوق أنفه أكثر من مرة، اقترح عرض حالة المغرب على صديقه العالم الشهير في نظرية النسبية، لعله يجد تحليلا لمعضلة النسبيات التبريرية باستمرار لعدم تحسن أوضاع المغاربة.
تقرر استدعاء ألبرت إينشتاين على جناح السرعة. وبعدما ألقى نظرة سريعة على الملف، نظر في أعين المغرب المريض، وقال “يحدث الغباء عندما يكرّر المرء الفعل ذاته وينتظر نتائج مغايرة”.
بانتظار أن يواجه المغرب واقعه بلا تبريرات واهية!
محمد الشرقاوي أستاذ تسوية النزاعات الدولية، جامعة ميسن واشنطن