التنافر الإقتصادي بعد القطيعة السياسية…الرابح والخاسر

التنافر الإقتصادي بعد القطيعة السياسية…الرابح والخاسر
بقلم: عمر بنشقرون، عضو المنظمة المغربية للكرامة والسلام وحقوق الإنسان والدفاع عن الثوابت الوطنية

لماذا رفضت الجزائر تجديد اتفاقية خط الغاز المغاربي الأوروبي؟
لا يخفى على الاقتصاديين أن خط الغاز الجزائري و المار عبر مملكتنا الشريفة قد سمح الجارة الشرقية بتصدير ما لا يقل عن 13 مليار متر مكعب من الغاز إلى شبه الجزيرة الأيبيرية. بينما لا يسمح خط أنابيب الغاز الجزائري “MEDGAZ” بنقل سوى 10 مليارات متر مكعب من الغاز مع مقطع طويل تحت البحر، مما يتطلب علاوة على ذلك، صيانة أغلى تكلفة ومخاطر عديدة هي في غنى عنها.
ومن جهة أخرى، إن احتياجات إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وحدها في هذا الشأن تبلغ حوالي 35 مليار متر مكعب، إذن كانت رؤيتها متهورة وغير محسوبة. علما أن الاقتصاد الجزائري في حاجة ماسة لصادراته من الغاز الطبيعي حفاظا على أرصدة ميزانيته. وهو ما يعني بوضوح أن هذه الخطوة ليست قرارا اتخذته السلطات الجزائرية لمعاقبة المغرب، وإنما بسبب رغبة بعض الدول الأوروبية تقليص وارداتها من الغاز الجزائري لصالح الغاز الأمريكي. فالأمريكان نشطون جدًا في أوروبا لتسويق غازهم الوطني وبالتالي تقليل اعتماد حلفائهم الأوروبيين على الغاز الروسي. وبهذا فهم يسعون بالتأكيد إلى عزل الجزائر رداً على رفضها تهدئة الصراع مع المغرب. وموازاة مع هذا، فإن الزيارة الأخيرة لمساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود ، في 26 يوليوز الماضي، كانت على الأرجح تهدف إلى تشجيع الجزائر على إيجاد حل سريع للصراع الذي يعارضها مع المغرب.
و مواجهة لعناد الجزائر، بدأت القذائف السياسية والدبلوماسية تتساقط عليها لتقليص صادراتها من الغاز إلى أوروبا.
لا يسعنا من خلال هذه السياسة إلا أن نثمن الدور الأمريكي في تسريع سقوط نظام الضفادع الصغيرة العسكرية الغبية. وهذا منطقي لأنه على الرغم من محاولات التهدئة المختلفة والتذكيرات الموجهة إلى هذا النظام لوقف أعماله العدائية تجاه المغرب ومحاولة بناء نظام جدار حماية إرهابي في شمال إفريقيا يسمح بتوغل أمريكي حقيقي في إفريقيا، فإن الجزائر تبدو عنيدة وتريد الاستمرار في هذيان التصعيد الدبلوماسي.
لكن علينا أن نصدق أن الأيدي الخفية لقوى أجنبية معينة هي مسؤولة بنفس القدر على توثر علاقاتنا بالجار الشرقي، فروسيا وألمانيا وربما فرنسا يريدون بأي ثمن عرقلة الوجود الإقتصادي والتجاري الأمريكي في إفريقيا للحفاظ على تفوقهم السياسي في هذه القارة، لن يرغبوا بأي حال من الأحوال في رؤية الرباط والجزائر يتعاونان من أجل مصالح مشتركة مغاربيا و إفريقيا. وإذا اعتقدت الجزائر في الوقت نفسه أنها تستطيع تفضيل الغاز الروسي في أوروبا من خلال تقليل صادراتها وبالتالي السماح لهذه القوة بالتأثير، على المدى الطويل، على قرارات المجتمع الأوروبي، فهي إذن مخطئة و بعيدة جدًا عن الواقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي. لأن الاختيار بين الغاز الروسي والغاز الأمريكي لدول مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا: حلفاء أميركيون خالصون، سيكون بالتأكيد لصالح شريكها الاستراتيجي.
ومن المرجح جدا أن الحفاظ على قاعدة روتا العسكرية الأمريكية في قادش بإسبانيا كان حاسما في دفع إسبانيا لاستهلاك الغاز الأمريكي و خفض الإسبان بالفعل لوارداتهم من الغاز الجزائري في عام 2020 لصالح الشريك الأمريكي.
ولكن نظرًا للرؤية الإستراتيجية للجزائر العاصمة والتي لا يمكننا إلا أن نقول انها أكثر جنونية فإن هذا البلد سينتهي للأسف بالغرق في عزلة المجتمع الدولي والتي ستؤدي بالتأكيد إلى انهيار مجتمعي مميت. فهل يقدر نظام الجنرالات الجزائري في تغليب الحكمة للرقي بشعبه لحياة أفضل أم أنه سيبقى حبيس شتات أفكاره؟