الرياضة والنموذج التنموي الجديد اية علاقة

بقلم عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء

 

لا أحد ينكر أن العلاقة الوطيدة بين الرياضة والاقتصاد. فالأندية الرياضية مؤسسات اقتصادية تهدف إلى الربح كباقي المؤسسات. و لكل نادي وسيلة دعاية خاصة به، فالعديد من الأندية المهمة تتداول أسهمها في بورصات القيم، إلا في بلادنا. لم يأخذ النموذج التنموي الجديد دراسة هذا القطاع مأخذ الجد ولم يفصل بينه وبين قطاع الشباب والتربية البدنية. كان يستوجب على اللجنة أن تولي دراسة معمقة لقطاع الرياضة لما يحتويه من آثار اقتصادية تذر بدخل مهم كباقي القطاعات في المالية العامة و الناتج الإجمالي العام للدولة. و تعتبر الرياضة قطاع منتجا و قيمة مضافة يخصص لها جزء هام من دخل الفرد (شراء الملابس والمجلات وحضور المباريات الرياضية……).
و العلاقة بين الرياضة والإقتصاد تتصل برعاية المصالح التجارية. و يكتسي القطاع الرياضي في اقتصاد الدولة طابع التنافسية بين المتبارين و كذا المعلنين بحق نشر إعلاناتهم واسم الشركة الراعية داخل المباريات و السلع المروجة من خلال نشر إعلانات واسم الشركات الراعية لهم.
لذلك أصبح الاستثمار في المجال الرياضي مهم لكل نادي، وهذا الاستثمار بحاجة إلى موازنة بين المداخيل والمصاريف حتى لا يؤدي إلى غياب النادي عن الساحة الرياضية، فالعجز المالي للأندية يتعلق بالنتائج السلبية، لهذا أصبح لزاما أن يكون لكل نادي قسم خاص بالدراسات الإقتصادية يخطط لمستقبله. فتصبح ممتلكاته رأسمالاً واللاعبون استثماراً، و قيمة تذاكر الدخول لمشاهدة المباريات والانتقالات الموسمية تشكل رأس مال مهم للأندية، و يصبح كل هذا المنتج والنتائج هي الجودة. و المحافظة على الجودة واجبة لضمان زيادة رأس المال، وأي خلل سينعكس سلباً على ميزانية النادي وربما على ميزانية الشركات الراعية له. فهل قامت لجنة النموذج التنموي الجديد بتحديد كل هذه المفاهيم و هل ستتعامل أنديتنا الرياضية بالمغرب بهذا المفهوم الجديد مع واقعها الاقتصادي للخروج من المأزق المادي والذي كما ذكرنا هو الأساس لتحقيق النتائج المهمة وبالتالي الارتقاء بالأندية لتحقيق نتائج أفضل؟
أؤكد أن الرياضة أحد فروع الاقتصاد، حيث إن ممارستها ذات أهمية اقتصادية ثنائية بالنسبة للفرد والدولة. فبالنسبة للفرد فإنها تقوم بتحسين قدراته الصحية والبدنية وإطالة عمره الإنتاجي وتقليل فرص إصابته. أما بالنسبة للدولة، فالرياضة تعمل على زيادة كفاءة المواطنين وحفظ تأهيلهم وكذا زيادة في الناتج التجاري العام.
والغرض الأول للعلاقة بين الرياضة والاقتصاد يتمثل في اعتماد الرياضة على الإقتصاد لتمويل مختلف أوجه النشاط بها، وأن الغرض الثاني يتمثل في رعاية المصالح التجارية والاستهلاكية للرياضة كمصدر للربح و وسيلة دعاية ناجحة.
الاستثمار في المجال الرياضي : ان النموذج التنموي الجديد أفتى مخرجات عامة لكنها مهمة من حيث الرفع من مستوى الشباب وحثهم على إبراز مواهبهم في كل قطاعات الرياضة. لكنه لم يدرس عمق القطاع الرياضي وآليات تفعيل حجم الاستثمارات فيه و التي من شأنها أن تقلع بتنافسيته على المستوى الدولي. وكما هو معروف، ان وظيفة الاستثمار هي تشغيل الأصول بهدف زيادتها. و هنا يكثر الاتجاه إلى تكوين شركات المساهمة التي تتولى إدارة هذه الرياضات و الإشراف عليها بهدف تحقيق أفضل مستويات الربحية و التي بدورها تحقق العائد المناسب على الاستثمار و الذي يمكن استغلاله في إعادة تمويل كافة الأنشطة الرياضية و الوصول بها إلى مستوى العالمية، لكننا في بلادنا الحبيب لم نتطرق بعد إلى إدراج أهمية هذا المعطى لإقلاع القطاع الرياضي وتنمية مداخيله في الميزانية العامة للدولة.
وطرق الإستثمارات في القطاع الرياضي متعددة ولا يسهل جردها ولا حصرها في مقال ولو في بحث معمق. لكن، يمكننا أن نسرد بعضها ولو من باب التوضيح:
-استثمار في المنشئات الرياضية وتأجير صالات النادي للاستفادة المادية منها بالإضافة لإيجار المحلات و غيرها من المشاريع التي تذر عائدا ماديا يدخل ضمن مداخيل الأندية.
– إنشاء قنوات رياضية تلفزيونية للأندية و ذلك من أجل توفير الموارد المالية اللازمة للارتقاء بمستوى الأندية و رعاية اللاعبين المحترفين و التعامل معهم بمفهوم استثماري وفقا لاستراتيجيات اقتصادية في قطاع الإعلام الرياضي، من حقوق النقل والبث الإذاعي والتلفزيوني.
ولابد أن نذكر أنه يوجد تكامل بين الأنشطة الرياضية مع المصالح الاقتصادية حيث تحتل الرياضة مكانة رفيعة المستوى في الحياة الإجتماعية والإقتصادية. و نظام الرياضة يقوم على دعائم اقتصادية مثل ميزانيات الأنشطة الرياضية والبرامج الرياضية، الأدوات والأجهزة، أجور اللاعبين والمدربين، ومكآفات وحوافز الرياضيين، حيث أن الفرض الأول للعلاقة بين الرياضة والاقتصاد يتصل باعتماد الرياضة على الاقتصاد لتمويل مختلف أوجه النشاط بها.
إذ تتحوّل شهرة الرياضيّ إلى قيمة إنسانيّة تلازم شهرة الدولة التي ينتمي إليها.
ومع التّطور الذي يشهده العالم واكتشاف دور القطاع الرياضيّ في بناء الاقتصاد أعطت البلدان المتطورة أهميّة بالغة لتطوير هذا القطاع. إذ تُعدّ الرياضة مصدر دخل قومي مهمّ لبعض الدّول، لما تحتوي عليه من مكاسب وأرباح وضرائب يتم فرضها على النّوادي الرياضيّة واللاعبين. بالإضافة إلى السّوق الرياضيّة التي تتكون من مجالات عديدة ومتنوعة منها: الصناعة وتشمل الألبسة والمعدات، الرّعاية وتشمل المدفوعات والأعباء المرتبطة بفريق أو بدوريّ، مداخيل الأحداث الرياضيّة الحيّة، رسوم حقوق الإعلام، الإعلانات، كلّها تستثمر في بثّ حدث رياضيّ معين عبر الشّاشات الصّغيرة، التجارة وتشمل بيع المنتجات المرخّصة مع الفريق أو شعارات الدّوري، الامتياز الغذائيّ للفرق والمنتخبات، المجالات الصحية ومردودها… ولذلك تعتمد الدّول على الرّياضة في تحسين الاقتصاد وتحرص على توفير جميع الإمكانيات والاحتياجات لزيادة كفاءة الرياضيّ والعمل على تطويره.
كل هذه الفوائد تحفز الدّول على رفع المستوى الرياضيّ وتطويره. فهي تهتم ببناء الكثير من السّاحات الرياضيّة والملاعب الحديثة، والمتطورة، والضخمة، وذلك بهدف الحصول على دخل ماديّ كبير، ويتم ذلك من خلال استضافة الدّول للبطولات العالميّة والدوليّة. فتتحول هذه المناسبات إلى تقليدٍ سنويٍّ، تاريخه محدد ينتظره الرياضيّ والنّاس وشركات الإعلان ووسائل الإعلام و… بهذا تتكوّن دورة اقتصادية متكاملة لها مردودها الوطنيّ، والماديّ، والمعنوي.
بناءً عليه تحصل الدولة على الدّخل الماديّ نتيجة لتنشيط قطاع السّياحة واستقبال السّائحين والزّوار من دول العالم المتعدّدة، ومن الطّبيعي أن يحتاج هؤلاء إلى فنادق للإقامة، ومطاعم، وزيارة الأماكن السّياحية ما ينتج عنه تنشيط اقتصاد الدولة بالكامل.
تأمين وظائف جديدة
إن إحدى الإحصائيات الأكثر إثارة للاهتمام بالقطاع الرّياضيّ هي كيفيّة تأثير الرّياضة على سوق العمل. فالوظائف الرّياضيّة لها تأثير مضاعف مرتفع، ما يعني أنّها تخلق المزيد من الوظائف في المهن والصناعات الأخرى.
حقوق البثّ التلفزيوني والإعلانات
أدى توسع وسائل الإعلام الرياضيّة، وخاصة التلفزيون، إلى جعل الرّياضة منتشرة في كلّ مكان، إن لم يكن في جميع البلدان. وبالقدر نفسه من الأهمية، أدى الطلب المتزايد بشكل دائم من قبل المذيعين على البرمجة الرّياضيّة إلى إنشاء رابطة “رياضيّة – إعلامية – تجارية” مبنية إلى حد كبير على جاذبية الرّياضة على نطاق واسع.
في الواقع، أصبحت الشّعبية الهائلة للرياضة موردًا اقتصاديًا كبيرًا، وهو ما دفع اقتصاد الرّياضة المحترفة إلى درجة أنّها أصبحت الآن تعتمد بشكل كبير على الدخل الناتج عن التلفزيون والرّعاية والتّمويل.
مدعومة بالتّطورات التّكنولوجية في البث والاتصالات بشكل عام، فإنّ إعادة تجميع الرّياضة كسلعة توسعت إلى عمل عالميّ يعمل بشكل فعال كقسم متخصص في صناعة التّرفيه. الأكثر وضوحًا، إذ إنّ التأثير الإقتصادي لوسائل الإعلام الرّياضيّة على المجتمع ينعكس في تقييمات الجمهور الكبيرة (معظمها من التلفزيون) للبرمجة الرّياضيّة، وتطور وسائل الإعلام الرياضيّة، والقيمة التي تقدر بمليارات الدولارات لعقود البث وصفقات الرّعاية.
لقد تطورت اليوم صناعة الرّياضة إلى عمل واسع النّطاق يؤثر على الفروع الاقتصاديّة المتعددة مع العديد من أصحاب المصلحة، بما في ذلك المنظمات الرّياضيّة، والمؤسسات الإعلاميّة، ووكالات التّسويق، والمنظمات الصّحيّة، ومصنعيّ الملابس ووكالات السّفر، إذ تتنافس على حصة من هذا السّوق المربح. وقد تمَّ وصف هذه الصناعة الرياضيّة بأنها صناعة غير نمطية مع وجود مشجعين رياضيّين ملتزمين يحافظون على مستويات عالية من الاستهلاك والمدفوعات بصرف النظر عن النجاح الرّياضي.
كما وزاد التلفزيون بشكل كبير من عائدات الألعاب الرياضيّة الأكثر شعبية وخصوصًا البث المباشر في المباريات ومصادر المداخيل الأخرى و كذلك. وكان التأثير الأكثر أهمية لهذه الزيادة زيادة رواتب اللاعبين، مع بقاء الحالة المالية للفرق دون تغيير إلى حد كبير، لأن الإيرادات من حقوق التلفزيون المركزي والمسابقات الدولية كثفت العلاقة بين جودة الفريق و المداخيل.
مقترحاتنا المبدئية للجنة النموذج التنموي الجديد
بعد أن ذكرنا بفوائد القطاع الرياضي على الاقتصاد الوطني. أصبح و لا بد أن نبدأ بالخطوات الإصلاحيّة ودرس أرضيّة مجتمعنا لبناء قطاع رياضيّ يدعم الاقتصاد بشكل أساسيّ ويُحسّن نوعيّة حياة المواطن وصحته على حدٍ سواء. ولكن السّؤال الأبرز الذي يُسأل هو: من أين نبدأ؟ اقول وبصراحة، هنا تكمن نواقص النموذج التنموي الجديد لأنه لم يأتي بجديد من ناحية السياسة الرياضية ولم يتطرق إلى كيفية البدء الفعلي بالعمل على جميع الأصعدة من أجل تطوير بيئة نشيطة، بناء مجتمع نشيط، تأمين نظام متطور، وتحفيز السّكان على النشاط الرياضي.
و نظرا لثراء الموضوع ولاعطاءه حقه في المناقشة مع اللجنة خلال المؤتمر الذي نحن بصدد إعداده، يمكنني أن ألخص المحاور الأربعة كالتالي:
1- البيئة النّشيطة:
-تكامل سياسات التّخطيط وتسهيل دواليب الإستثمار في القطاع.
-تحسين البنى التّحتيّة المناسبة لتسهيل ممارسة الرياضة بدءً بالنّشاطات الفرديّة كالمشيّ وركوب الدراجات.
-ضمان تنفيذ التّدابير لتحسين السلامة العامة والسّلامة الشخصية للمشاة وراكبي الدراجات ومستخدمي الطرق وتأمين الحماية في الملاعب والمنشآت الرياضيّة على اختلافها.
-تعزيز الوصول إلى الأماكن العامة والأماكن التّرفيهيّة، وكذلك المرافق الرياضيّة.
-تصميم المرافق العامة والعمل على ترسيخ مبدأ الرياضة للجميع وممارسة الرياضة في الأماكن العامة.
كل هذا ينمو بتوعية تبدأ منذ الطفولة وتنمو مع نمو الفرد. فإعداد الرياضيّ يتطلب الذكاء والنمو الذهني، ونمو الشخصية إلى جانب الإعداد الجسديّ.
2- بناء مجتمع نشيط من خلال:
-إجراء حملات تسويق اجتماعي من خلال ربطها بـبرامج المجتمع.
-تعزيز الوعي من خلال الحملات الإعلاميّة وتبادل المعرفة بالفوائد المتعددة الجوانب من اجتماعيّة واقتصاديّة وبيئيّة للرياضة،
-إطلاق مبادرات دورية لتشجيع المشاركة بالأنشطة البدنيّة.
-تعزيز معرفة المهنيين داخل وخارج القطاع الرياضيّ…
3- تأمين نظام متطور من خلال:
-تعزيز السياسات والتّوصيات وخطط العمل الوطنية ووضع آليات تنسيق في القطاعات المتعددة.
-توحيد نظم المعلومات والتقنيات الرقميّة لتعزيز المراقبة وصنع القرار.
-تعزيز القدرة البحثيّة والتقييميّة المساهمة في إيجاد حلول ملموسة فعالة.
-تكثيف جهود التّوعية لتعزيز معرفة ووعي أفضل بالمشكلة.
-تعزيز الآليات الماليّة من أجل تعزيز العمل مستدام.
4- تحفيز السكان النّشيطين من خلال:
-ضمان جودة التّربية البدنيّة وزيادة عدد الحصص نظرًا إلى لإيجابيّة التّربويّة في جميع الحلقات ما قبل المدرسة والابتدائيّ والثانويّ والعالي.
-تحويل مادة التّربية البدنيّة والرياضة من مادة إجرائية لا تعطى الأهمية الكافيّة إلى مادة أساسيّة من الامتحانات الرسميّة.
-تنفيذ برامج توعيّة في الرعايّة الصحيّة الأولية لتعزيز النشاط البدنيّ.
-تنفيذ البرامج الرياضيّة في أماكن العمل والمنشآت الرياضيّة والبيئات المجتمعية من أجل تنمية النشاط الجسدي – البدني.
-إنشاء البرامج والخدمات المصممة لمساعدة كبار السنّ للانخراط في نشاط بدني منتظم ملائم.
-تنفيذ البرامج والخدمات الرياضيّة المقدمة للمجموعات الأقل نشاطًا لتحفيزهم على المشاركة بالنشاط البدني.
-تشجيع المجتمعات على تنفيذ مبادرات رياضيّة تشمل جميع السكان على مستوى البلديات والمجتمع المحلي.
فأين تقرير النموذج التنموي من كل هذا