الفن…الكياسة! والسياسة

الفن…الكياسة! والسياسة
بقلم عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدار البيضاء

وأنا أقرأ أخبار اليوم، أدهشني مقال تكوين فيدرالية للفنانين المغاربة من طرف حزب سياسي ومباشرة تذكرت قولة موشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق حينما قال أنه لا يخاف من سياسة الفلسطينيين أكثر مما يخاف من قصائد محمود درويش لما من آثار شعره على المتلقي. و راودني سؤال مهم في نظري:
هل لانخراط الفنان في السياسة قيمة مضافة ام مضاعة؟
ففي العالم العربي، تتخذ علاقة الفن بالسياسة نموذجا تشغل السياسة منه في المعتاد دور فاعل و الفن انفعالاً على ذلك. وحينما يأخذ الفن مقام الفاعل ويجبر السياسة على الانفعال عليه، فتلك هي الجرأة للفن في تطويع السياسة و لا تكون إلا في مجتمعات استكملت تشييد بنائها واستقرار هياكلها الإقتصادية و سمو استراتيجياتها السياسية.
في مغربنا الحبيب، نعتبر الفن حرا و غير ملتزم باي خط سياسي. فلا تتشكل من خلاله منتجات فنية نتيجة إملاء من صانع قرار أو لاعتناق الفنان ذاته لقيم صفوة سياسية معينة، أو على الأقل لإفادته من قربه منها أو تزلفاً إليها، أو لإيمان صادق بأن ظروفا دقيقة تتربص بمجتمعنا الذي تكفله الصفوة وإن لم يشاطر هذه قيمها. فيأتي الفن على اختلاف صوره ترجمة لمسار اختطته السياسة. و ينصرف الفن نحو تمرير رسائل، سواء إلى الصفوة أو إلى الجمهور، إلى الجمهور بقصد التوعية وفضح مسالك السلطة في الفساد وإهدار الحقوق، وكذلك إلى السلطة بقصد الكشف عن مستوى وعي الجمهور أو سوء منقلب سياسة تتبعها. وكما يعلم الجميع، أن وظيفة الفن هي التعبير عن ملكة الحياة في الإنسان و هو امتلاك القدرة على الاستحواذ على قلوب الناس. ولهذا السبب بالذات، تسعى الحكومات لخطب ود الفنانين، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن توجههم نحو إرسال رسائل سياسية مباشرة، ولكن مجرد اقترابها من الفنان يسهم في اقتراب جمهوره منها.
و الفن يخدم السياسة ويصلح اعوجاجها و يهذبها، لكن الأخيرة تفسده وتفقده بريقه إن حاولت توجيهه نحو أهدافها. لذلك وجب على المبدعين والفنانين أن يتفهموا هذه الحقيقة، و أن يبنوا على أساسها معادلة تسمح لهم بالاقتراب من هموم الناس التي تنشغل بها السياسة، دون الركون إلى الصراخ والعويل السياسي، الأمر الذي يفقد خطابهم قيمته الجمالية ومصداقيته. هذا هو السؤال الحقيقي الذي اختلفت حوله وجهات النظر ما بين مؤيد ومعارض لإقحام السياسة فى الفن، وما بين رافض لإقحامه؟ فكيف خاض في الماضي فنانون كثر صراعات بسبب تحكمات السياسة والدين من جهة ورغبتهم فى إخراج إبداعهم إلى النور من جهة أخرى وتأتي طبقة فنية في زماننا لتخطب ود السياسي؟ ترى، هل ستنجح التجربة في بلادنا؟