المرتزقة الروسية الكبرى ” فاغنر” في شمال إفريقيا

 

المرتزقة الروسية الكبرى ” فاغنر” في شمال إفريقيا.
بقلم: عمر بنشقرون، عضو المرصد الدولي اطلنتيس للسلام وحقوق الإنسان والديبلوماسية الموازية.

لاحظ العديد من المراقبين في السنوات الأخيرة نشاطًا متزايدًا للمجموعة شبه العسكرية الروسية المعروفة باسم “فاغنر” في العديد من المناطق غير المستقرة من العالم بما في ذلك على وجه الخصوص سوريا وليبيا ومنطقة الساحل.
فاغنر هي شركة عسكرية روسية خاصة تتكون من المحاربين المدربين تدريباً عالياً والمسلحين المكرسين للدفاع عن المصالح القومية للاتحاد الروسي خارج حدوده.
تعود ملكيتها إلى إيفغيني بريغوجين، وهو صديق مقرب للرئيس فلاديمير بوتين. بريغوجين هو أيضًا صاحب شركة “Internet Research Agency” الوكالة المتخصصة في الدعاية والمعلومات العنكبوتية على الشبكات الإجتماعية. هذه الشركة اشتبهت فيما سبق للترويج في ترشيح الرئيس دونالد ترامب ضد هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 ما يثبت مدى تأثير هيكل تكنولوجيا المعلومات الروسي هذا في العالم.
وعلى أرض الواقع، تعمل هذه الشركة في تكامل تام مع مجموعة فاغنر في التخطيط لمعارك المعلومات على الإنترنت ولدعم عمليات فاغنر العسكرية عن طريق المعلومات المقدمة. و تحقق فاغنر، بذلك، أهدافها الاستراتيجية على الأرض بتوجيه من المؤسس والقائد: ديميتري أوتكين.
تضم فاغنر تحت لواءها ما يناهز 4000 و 6000 جندي، جميعهم أعضاء سابقون في القوات الخاصة بوزارة الداخلية الروسية أو أعضاء سابقين في القوات الجوية الروسية. رواتبهم مغرية تصل إلى 5000 دولار شهريًا. و على الرغم من أن السلطة الروسية تنفي رسميًا أي علاقة مع هذه المجموعة، لكن الواضح أصبح مفضحا كونها تعمل نيابة عن جهاز الأمن الفيدرالي للاتحاد الروسي (FSB)، الوريث الشرعي لجهاز KGB الروسي السابق. و ميزانية جنودها تكلف ما لا يقل عن 240،000،000 دولار إلى 360،000،000 دولار في السنة: ميزانية ضخمة و لا يمكن إلا للدولة تحملها مقابل مصالح معروفة. هؤلاء المرتزقة موجودون اليوم في منطقة الساحل ويعرضون استقرار هذه المنطقة لخطر جدي. فالمصالح الاستراتيجية للاتحاد الروسي في شمال إفريقيا أضحت معروفة. و المنطقة أصبحت مسرح لحرب مواقف بين الكتلة الصينية الروسية والكتلة الأوروبية والأنجلو سكسونية. لذا يمكننا أن نفهم بشكل أفضل سبب تحول الولايات المتحدة إلى تحالف جديد أكثر تماسكًا واستراتيجيًا مع أقدم شركائها الناطقين بالإنجليزية.
وكما يبدو في نظر جل المحللين السياسيين أن السبب الآن أصبح واضحًا: فشلت أوروبا في ضمان استدامة سلطتها وسيطرتها على القارة الأفريقية ما سمح للروس والصينيين الدخول ثم الاستقرار في هذه القارة. ومع ذلك، فإن إفريقيا، وخاصة في الجزء الغربي منها، تشكل منطقة استراتيجية للمصالح الأمريكية بسبب موقعها الجغرافي الذي يقع تمامًا مقابل أمريكا الشمالية. لذلك كان من الملح والحيوي للولايات المتحدة أن تضع نفسها في هذا الجزء من غرب إفريقيا بناءً على إرادة أو حتى ضد إرادة الأوروبيين الذين ربما فشلوا في مهمة “الحراسة”. هذا هو أحد الأسباب التي من شأنها أن تفسر اختيار المغرب كمركز لعمليات الأنجلو ساكسونية في افريقيا. و قد يكون أيضا أحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى تسليح مملكتنا الشريفة بشكل كبير وتقني. وبالتالي لا شك على الإطلاق في الاعتقاد بأن القرار الأخير للحكومة المغربية بتعليق رحلاتها الجوية من وإلى روسيا مرتبط بوجود هذه الجماعات شبه العسكرية في منطقة الساحل خاصة إذا كانت أجهزتنا الاستخباراتية كشفت العلاقة بين الجزائر و أتباعها البوليساريو مع هذه المجموعة المسلحة. دون أن ننسى أيضا أن نذكر آخر قرار جزائري بحظر مجالها الجوي أمام الطيران المدني والعسكري المغربي والطائرات العسكرية الفرنسية. وهذا يقود إلى الاعتقاد بأن الجزائر تستعد لعمليات عسكرية سرية لا تريد الكشف عنها. ومع ذلك، يبدو أنه لسوء الحظ بالنسبة لهذا البلد من الجيوش الجاهلة، اعترضت الأقمار الصناعية المغربية والأمريكية والإسرائيلية تحركات مشبوهة توحي بأن الجيش الجزائري ينشط في بناء قاعدة عسكرية في منطقة تندوف. ومن المؤكد أنه يستعد للأسوأ ضد جاره من الغرب أو ربما يحاول فقط ترهيبه. لكن هيهات.
علاوة على ذلك، فإن آخر استدعاء جزائري للمغرب لتحرير منطقة الكركرات بعد رفض موريتاني لإغلاق هذا الممر الاستراتيجي لإفريقيا جنوب الصحراء، كان من شأنه أن يدفع القوات المسلحة الملكية إلى رفع حالة التأهب إلى مستوى أعلى.
ومع ذلك، في الوقت الحالي، تتمسك المملكة بمبادئ احترام حسن الجوار وتتجنب أي رد فعل على الفساد الجزائري. لكن إذا اكتشفت أجهزتنا الاستخبارية، بمساعدة من الولايات المتحدة أو إسرائيل، أي محاولة لتوغل البوليساريو أو الجزائر أو حتى فاغنر، فلن يستطيع المغرب تمالك الأعصاب، ما من شانه أن يفتح الباب أمام كل التوقعات لصالح القوى المفترسة على المصير السياسي والجغرافي للجزائر.
ويبقى المغرب مصانا ومحروسا قاريا كونه تقلد وسام الاستحقاق “فارس غرب أفريقيا”.
و أتذكر مقولة شهيرة لجيلبرت شوليت حيث قال : “الحرب هي الجبن المطلق لمن يعلنها”.