النموذج التنموي الجديد ووضوح معالم السياحة المغربية

*السياحة…في النموذج التنموي الجديد
بقلم عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء*


إن ما يجعلني متفائلا على قطاع السياحة في بلادي هي الرؤية الواضحة المعالم التي أتى بها تقرير النموذج التنموي الجديد والتي أفضت إلى خلاصات مهمة تبعث الأمل للنهوض بهذا القطاع والرفع من تنميته ليكون من دعائم وركائز الموارد المالية وقيمة مضافة في الناتج الإجمالي العام للدولة.
وانا هنا في المدينة الحمراء، مدينة مراكش، أجوب شوارعها وأزقتها و أستمتع بأجواءها الشعبية و ألحظ المعاملة النبيلة و”تامغربيت” عمال وعاملات الفندق الذي أتواجد به، لا يسعني إلا أن أكون مطمئنا على هذا القطاع في بلادي.
لقد اعتبر النموذج التنموي الجديد قطاع السياحة كمحرك أساسي للإقتصاد  الوطني و مصدر رئيسي لجلب العملة الأجنبية وتوفير الوظائف. و ضمن التقرير أن مداخيل السياحة تعد فقرة من العمود الفقري لمجمل النشاط الاقتصادي. وأبدى حالة من التفاؤل بإمكانية تصحيح الاختلالات المالية المزمنة، والتي ظهرت بوادرها في ارتفاع نادر في الاحتياطات المالية أوائل 2020. و بعد تحليلي لمعطيات بنك المغرب والمكتب الوطني للسياحة، أظهرت بيانات رسمية أن مداخيل قطاع السياحة سجلت قفزة نمو هائلة منذ أواخر 2017 وحتى العاشر من شتنبر 2019، حيث ارتفعت بنسبة 23% بمقارنة سنوية خلال العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين فبلغت عوائد القطاع السياحي و قفزت في 2019 إلى 79 مليار درهم من نحو 72 مليار درهم في الفترة نفسها من سنة 2018.
وأقول، أن نمو عوائد القطاع السياحي ما بعد كورونا سينعكس على جميع قطاعات الإقتصاد المتعثر و سيساهم في تصحيح اختلالات المؤشرات المالية بعد أن ظهرت في ارتفاع احتياطات البلاد من العملة الأجنبية بعد سنوات من التراجع.
وتشير تقديرات وزارة السياحة إلى أنها تتوقع أن يتجاوز عدد السياح في مجمل العام المقبل لأول مرة حاجز 14 مليون سائح، وذلك بعد سياسة ترويج واسعة ستستهدف الأسواق التقليدية مثل اسبانيا، فرنسا وبريطانيا وألمانيا و الأسواق الجديدة كدول أوروبا الشرقية و روسيا و كذا استثمار العلاقات المباشرة مع إسرائيل و دول أمريكا الجنوبية والصين.
وسيكون من أولويات الحكومة المقبلة المنتخبة والمعينة رهان تنمية قطاع السياحة من خلال الاستراتيجية المذكورة في النموذج والتي من المتوقع أن تستهدف استقطاب أكثر من 20 مليون سائح في أفق 2030.
ويؤكد العاملون في القطاع أن السياحة تعيش هذه الأيام نشاطا غير مسبوق بعد أزمة كورونا، حيث تشهد مدن سياحية كمراكش، الحسيمة، تطوان و المنتجعات السياحية والفنادق في المناطق المطلة على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي ارتفاعا كبيرا في نسبة الوافدين خصوصا من رعايا المغرب الأوفياء وتسابق الحكومة الزمن لتعزيز جاذبية السياحة وتحويل المغرب إلى إحدى أبرز الوجهات العالمية.
و اذا ما نفذت رؤى النموذج التنموي، فمن الناحية المالية سينعكس الانتعاش السياحي في ارتفاع نادر لاحتياطات العملة الأجنبية ليعطي بصيص أمل بتخفيف الاختلالات المالية المزمنة، وذلك بعد مواصلتها للانخفاض بشكل ملحوظ منذ 2020.
في مقالي هذا، لن أخوض في مدى صلاحية خيارات العشريات السابقة، إلا في الجزء الثاني من المقال، بقدر ما أصبو إلى تقديم معطيات جاء بها التقرير و قراءة مقترحات خبراء القطاع والتي قد تساهم في إصلاح وضع مهترئ وتقديم رؤية لسياحة بديلة من أجل تنمية حقيقية ومستديمة عوضا عن نمو متعثر وغير مدروس. و لأن المسار الإصلاحي ماض قدما لا محالة، فإن الوقت قد حان للتأسيس لاقتصاد وطني يؤدي إلى تنمية اجتماعية شاملة لكل المغاربة. و بناء على هذا، فإن من الضروري الإهتمام بمسألة السياحة التي تمثل ركيزة من ركائز الإقتصاد الوطني.
واقول، أنه لا يختلف اثنان حول أهمية السياحة بالنسبة للاقتصاد المغربي والرؤية السديدة المتبصرة لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله وايده، الذي طور هذا القطاع منذ جلوسه على عرش أسلافه المنعمين رضوان الله عليهم أجمعين، و ما أولاه من أهمية كبرى وراهن عليه. فبغض النظر عن مدى جدوى هذا الخيار ومردود هذا الرهان فإنه أقل ما يمكن قوله الآن إن السياحة تمثل قطاعا حيويا بامتياز إذ تساهم بـ7% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر أكثر من 985 ألف فرصة عمل مباشر وغير مباشر.

*الجزء الثاني*
*مقدرات غير مستغلة*
عديدة هي العوامل التي تدفعنا للتعامل بجدية مع مسألة السياحة في المغرب. فبالإضافة إلى الاستثمارات التي رصدت لهذا القطاع والتي وجب النظر في مردودها خاصة في بناء الفنادق يعتبر المغرب من الدول التي أريد لها أن تكون سياحية بامتياز إذ من المؤسف واللا معقول أن يتردى واقع السياحة فيها إلى ما هو عليه الآن حيث تريد جائحة كورونا الإجهاز عليه نهائيا.
*معلومات موجزة على المغرب على إثر المثل القائل ” زوق تبيع”*
ليس من المبالغة القول إن من النادر وجود بلد كالمغرب مساحة له من الثراء والتنوع السياحي ما يملكه، إذ توجد فيه الشواطئ الرملية ( 500 كلم على ساحل المتوسط و3000 كلم على المحيط الأطلسي )، والصحراء والجبال والمحميات والجزر (من جهة رأس الماء والحسيمة) وكثافة عالية من المواقع الأثرية والتاريخية.
فالمغرب يقع جغرافياً في الجهة الشمالية الغربية من قارة أفريقيا، ويعرف رسمياً باسم المملكة المغربية، وعاصمتها مدينة الرباط، ونظام الحكم فيها ملكي، وشعارها الوطني هو: (الله – الوطن – الملك)، وتبلغ مساحة أراضيها 466550كلم²، ويبلغ عدد سكانه 34 مليون نسمةً وذلك حسب إحصائيات عام 2018م، وعملتها الرسمية هي الدرهم المغربي.
و المغرب من أكثر الدول العربية والإفريقية جذبا للسياح، يستقبل ما بين عشر و ثلاثة عشرة مليون سائح كل سنة.
في أواخر التسعينات، عرف عدد السياح تذبذباً وحتى تراجعاً، لكن الاستراتيجيات السديدة لصاحب الجلالة بتعيينه آنذاك السيد ياسر الزناكي على رأس وزارة السياحة وإطلاقه لمدة مشاريع تنموية في القطاع أعطت أكلها فى غضون سنوات وبعثت على التفاؤل منذ ذاك الحين. ومنذ تنصيبه، السي الزناكي، وهو يترافع أمام البرلمان ويحدد هدف الوصول إلى عتبة عشرة مليون سائح في السنة. ولقد تأتى ذلك، فمنذ 2015، والمغرب يستقبل أكثر من العدد السابق ذكره حتى وصلنا إلى أكثر من ثلاثة عشر مليون سائح خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2019، ما ذرّ عائدات تقدر بأكثر من ثمانية وسبعون مليار درهم.

*خيارات صِيغت أكثر من ثلاثة عقود…*
تعود تنمية قطاع السياحة في بلادنا الى الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه. ففي حقبته، شهد الإقتصاد المغربي تحولات جذرية. فبعد سنوات من السياسات القائمة على الإصلاح الزراعي والعمل على تطوير الإنتاج ( الفوسفاط وغيره) وتركيز نواة صناعات مغربية ثقيلة ( الحديد والصلب وغيرهما)، قررت السلطات المغربية تبني المنهج الليبرالي. وأصبح الإقتصاد يقوم على مصانع النسيج والصناعات الخفيفة والإنتاج الفلاحي والبحري المعدين للتصدير، وأيضا السياحة. و لقد اختارت الدولة الحل الأسهل: استغلال المناخ المتوسطي المعتدل وامتداد السواحل المغربية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها و استغلال جمال المناطق الريفية والداخلية في جبال المتوسط لجلب أعداد كبيرة من السياح خصوصا الأوروبيين الذين يبحثون عن وجهات مشمسة ومنخفضة الكلفة. هذا الاختيار جعل المستثمرين يركزون الأغلبية الساحقة من الوحدات الفندقية بالقرب من الشواطئ خصوصا وفي المدن تاريخية نظرا لطبيعة مناخها ك: فاس و مراكش. كما ركزت السلطات، وكما أسلفت، جهودها التسويقية على البلدان الأوروبية القريبة من المغرب جغرافياً واقتصادياً: اسبانيا، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا و بريطانيا.
فقطاع السياحة في المغرب ناجح، وهذا صحيح.. جزئياً، لأن جوانب عديدة تحتاج للفحص: الفوارق بين الواجهة البحرية ودواخل البلاد بدلاً من أن تكون قاطرة للتنمية، وضعف قدرته التوظيفية، ومصير العائدات المجناة منه: مثلا من مدينة فاس التاريخية الأثرية، إحدى أكثر المدن فقرا في المغرب.
وتقدم الدولة منذ عقود أرقاماً عن عدد السياح والليالي المقضاة في الفنادق والعائدات من العملة الصعبة والمحلية، وتؤكد دائماً على تطور القطاع السياحي في المغرب ومساهمته الكبيرة في التشغيل وخلق الثروة. لكنها لا تنشر معلومات ودراسات عن الأزمات الهيكلية للقطاع ولا عن تأثيراته على البيئة والبنى الإجتماعية – الإقتصادية ولا تقوم بمراجعات للسياسات الحكومية للقطاع.
إن قطاع السياحة يأتي على رأس القطاعات المتضررة، حيث عرف خسائر ملحوظة وسريعة،و تم إلغاء حوالى 11.6 مليون ليلة مبيت، لما يناهز 6 ملايين سائح أجنبي، ما عمق أزمة هذا القطاع الذي خسر ما يناهز 150 مليار درهم ما بين 2020 و 2022، حسب الفدرالية الوطنية للسياحة، التي كانت قد دقت ناقوس الخطر حول أسطول النقل السياحي في بداية الاسدس الثاني من 2020.
في الأخير، ولأنني عاينت عن قرب انشغالات وتطلعات شغالي القطاع و قراءة لما جاء به التقرير من أفكار تستوجب التنفيذ العاجل مضامينه، فإنه ولا ريب عندي في أن القطاع سينتعش بشكل كبير في السنوات القليلة المقبلة مع عودة سياح الأسواق التقليدية وبعد رفع العديد من الدول الأوروبية لتحذير السفر نحو المغرب.