خشية من إغضاب الجزائر ومصر.. هل توافق تركيا على طلب المغرب وإثيوبيا شراء طائرات بيرقدار؟

إسطنبول- “القدس العربي”: في تصريح يدعم سياق التسريبات المختلفة طوال الأشهر الماضية، أكد مصدر تركي رسمي لوكالة “رويترز” أن دولتي المغرب وإثيوبيا تقدمتا بطلبات رسمية إلى تركيا من أجل شراء مسيرات قتالية من طراز بيرقدار التي قدمت أداءً عسكرياً كبيراً في المعارك التي خاضها الجيش التركي مؤخراً بشكل مباشر أو غير مباشر في سوريا والعراق وليبيا وأذربيجان.

وعلى الرغم من تكتم كافة الأطراف المعنية عن إصدار أي تصريحات علنية تتعلق بتأكيد وجود هذه الطلبات من عدمه، إلا أن السؤال الكبير يتمحور حول مدى استعداد تركيا للموافقة على بيع المغرب وإثيوبيا باكورة الصناعات الدفاعية التركية وذلك في ظل الخشية من أن تؤدي هذه الصفقات إلى إغضاب مصر والجزائر.

في ظل تنامي العلاقات مع الجزائر ومساعي إصلاح العلاقات مع مصر

فمصر التي تخوض صراعاً دبلوماسياً مع إثيوبيا حول ملف سد النهضة وسط تصاعد كبير للتوتر وخشية من حصول مواجهة عسكرية بين البلدين لن تكون راضية على الإطلاق عن مشاركة تركيا في تعزيز القدرات العسكرية لإثيوبيا، كما أن أنقرة تولي أهمية بالغة في هذه الفترة لتحسين العلاقات مع مصر يتوقع أن تكون حذرة للغاية في الإقدام على هكذا خطوة إذا ما كانت تشكل تهديداً على مساعي تحسين العلاقات بين البلدين.

ومنذ قرابة العام، بدأت تركيا مساعي واسعة من أجل إعادة تحسين علاقاتها مع مصر وفي هذا الإطار جرت عدة جولات من المباحثات الاستكشافية وأقدم البلدان على مجموعة من خطوات إعادة بناء الثقة وسط توقعات بقرب التوصل إلى بعض التفاهمات التي قد تمهد لإعادة تبادل السفراء بين البلدين، وتولي أنقرة أهمية كبيرة لنجاح هذه الجهود لا سيما فيما يتعلق بإمكانية التوقيع على اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين وهو ما سيمنح أنقرة نقاط قوة في صراع شرق المتوسط الذي بات يمثل أولوية استراتيجية لتركيا.

وعلى الجانب المغربي، فإن إقدام الرباط المتزايد على طلب الأسلحة والأنظمة الدفاعية التركية وآخرها طائرات بيرقدار يأتي بالتزامن من تصاعد التوتر بشكل كبير جداً مع جارتها الجزائر التي تنامت علاقاتها مع تركيا بشكل كبير جداً في السنوات الأخيرة وباتت دولة محورية لأنقرة في علاقاتها المتنامية مع القارة الإفريقية.

فالعلاقات المغربية الجزائرية تمر بواحدة من أخطر مراحلها منذ عقود وسط اتهامات وخطوات تصعيدية من الجانبين وسباق تسلح ولد خشية من حصول مواجهة عسكرية بينهما، وبالتالي فإن بيع تركيا أسلحة متطورة إلى المغرب في هكذا توقيت لن يكون محل ترحيب في الجزائر، وفي نفس الوقت لا تبدو أنقرة مستعدة للمخاطرة بتخريب علاقاتها مع الجزائر بعدما وصلت إلى مرحلة متقدمة من الانسجام السياسي الذي بنت عليه خططا اقتصادية واستراتيجية للبلدين.

وعلى الرغم من أن العلاقات التركية المغربية شهدت أيضاً تطوراً لافتاً وسط مصالح سياسية واقتصادية، إلا أن العلاقات التركية الجزائرية اكتسبت زخماً كبيراً وسط تناغم أكبر على الصعيد السياسي بشكل خاص حيث تبدي الجزائر حماساً كبيراً لعلاقات عميقة مع تركيا على عكس المغرب التي لا تزال تميل إلى المعسكر السعودي الإماراتي بشكل عام لكنها تبدي دبلوماسية محسوبة في علاقاتها مع تركيا.

وفي ظل عدم وجود تأكيدات رسمية لطلبات المغرب وإثيوبيا ولا ردود تركية قطعية معلنة، فإن التكهن بالرد التركي يبدو صعباً للغاية في ظل التناقضات الكبيرة التي تحيط بالمعادلة القائمة والتي تتأرجح بين الرغبة في توسيع مبيعات الصناعات الدفاعية وتحقيق مكاسب اقتصادية ونفوذ استراتيجي مع دول هامة وبين الرغبة في عدم حصول نتائج عكسية وخسارة دول أخرى لا تقل أهمية.

وفي هذا الإطار، يتوقع أن تركز الدبلوماسية التركية على الحلول الوسط التي سعت إليها دائما وخاصة في السنوات الأخيرة، حيث ستسخر أنقرة خبرتها الدبلوماسية في إتمام هذه الصفقات دون أن تصنف على أنها موجهة إلى دول أخرى أو دعم لطرف على حساب طرف آخر في الخلافات المتصاعدة بين مصر وإثيوبيا وخلافات المغرب والجزائر، والتأكيد على أن تركيا تريد علاقات إيجابية مع جميع الأطراف ومستعدة للعب دور الوسيط ودعم جهود تهدئة التوتر والتوصل إلى حلول لإنهاء الخلافات بين الدول وغيرها من العبارات الدبلوماسية التي ترغب من خلالها تركيا في تجنب الوقوع في فخ الاختيار أو أن تحسب على أنها تقف مع دولة على حساب دولة أخرى.

وفي هذا الإطار، يبدو أن الدبلوماسية التركية قد نجحت بالفعل في تبديد مخاوف الجزائر وضمان عدم انعكاس هذه الصفقة على العلاقات بين البلدين، وبالتالي فإن صفقة المغرب قد يتم الإعلان عنها قريباً بشكل رسمي، وسط تسريبات عن أن المغرب بالفعل بدأ بتسلم طائرات بيرقدار بالفعل من دون إعلان رسمي.

لكن الصفقة مع إثيوبيا تبدو أكثر تعقيداً في الوقت الحالي، كون العلاقات التركية المصرية ما زالت في مرحلة اختبار النوايا وإعادة بناء الثقة وهو ما لا يعطي مساحة لأنقرة لإقناع القاهرة بأن الصفقة لن تكون موجهة ضدها، وبالتالي فإن المتوقع ألا تتسرع تركيا بإتمام هذه الصفقة إلى حين اتضاح مسار تحسين العلاقات مع مصر أو حصول اختراق مع مساعي حل أزمة سد النهضة وهو ما سياهم في تخفيض أجواء التوتر بين البلدين وبالتالي تراجع مخاوف مصر من حصول إثيوبيا على أسلحة تركية حديثة.