د عبد الله مشنون :التصوف السني واسهاماته في ترسيخ الوسطية والاعتدال

الاستاذ عبد الله مشنون يكتب عن الملتقى العالمي السنوي للتصوف
ذ. عبدالله مشنون
في جو من الخشوع و التبتل وفي لحظات قمة في الجلال والجمال والرقي والوصال أقيم الملتقى العالمي السنوي للتصوف في دورته الثانية عشرة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس و ذلك بمداغ إقليم بركان والذي تنظمه الطريقة القادرية البودشيشية بتزامن مع الاحتفال بعيد المولد النبوي وقد كان موضوع هذه الدورة (التصوف والدبلوماسية الروحية الابعاد الثقافية والتنموية والحضارية).

وقد عرف هذا الملتقى حضور قامات دينية وعلمية كبيرة أتت من كل حدب وصوب للإسهام في ابراز مزايا واساسيات التصوف السني واسهاماته في ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال ونبذ كل مظاهر العنف و التطرف.

وهذه مناسبة نتقدم فيها بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ سماحة الدكتور سيدي جمال الدين العالم الرباني والمربي الجليل و لفضيلة الدكتور سيدي منير مدير الملتقى العالمي وللقائمين على هذا الصرح الروحي البديع على ما اولوه لنا من حفاوة وحسن ترحاب وما ذلك الا ثمرة لتربية روحية اصيلة وامتداد متجذر في أصول التصوف والسلوك القويم وتجسيد لاتباع سيد الخلق في مدح قدسي رباني (وإنك لعلى خلق عظيم).

لقد كانت هذه الأيام المباركة فرصة للتلاقح الفكري والمعرفي حيث توالى على منصة الالقاء جملة من العلماء و الدعاة الباحثين والاكادميين و الاساتذة الجامعيين والمربين الذين أبرزوا ان ارتداء لبوس التصوف والرشف من معين السالكين بحق وعلم ليطبع المسلم بصبغة نورانية لا تنفك عنه صبغة من الاعتدال والحكمة بعيدا عن التشويش والتشغيب و الجلبة التي يعيشها بعض المسلمين اليوم صبغة تجعل صاحبها سفيرا لهذا الدين وناطقا بسماحة واشراقة هذه الحنيفية.

ولكم سررت وانا احظى بإلقاء كلمة متواضعة بين يدي الفضلاء من العلماء شيوخي واساتذتي وقد عنونت تلك المداخلة ب(لتعارفوا) وهي كلمة قرآنية تنطق عن نفسها و تعلم القاصي والداني عن عظمة هذا الدين وانه دين الكلمة والتعارف والدعوة بالموعظة الحسنة وان سلفنا الصالح قد رزقوا فهما واسعا في هذا الصدد فسادوا العالم بأخلاقهم وعلموا الأمم بسمتهم ورحمتهم متأسيين في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).وهذه مناسبة نقول فيها ان الذين ينتهجون العنف سبيلا لهم في الحوار و من يتخذون من التكفير و التبديع منهجا في الفكر والسلوك لا يمثلون الإسلام في شيء بل الإسلام حجة عليهم حين يقول تعالى(لا ينهاكم اللَّه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا.

إليهم إن اللَّهَ يحب المقسطين) هذا بالنسبة لغير المسلم فكيف بمن ينطق بالشهادتين كيف بمن قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:” لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدابروا، ولا يَبِع أحدُكم على بيع بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقِره، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحَسْب امرئ من الشرِّ أن يحقِر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمُه ومالُه وعِرضُه.

لذلك جاءت مداخلتي دعوة لمد يد التعارف والتالف وإعادة لقراءة جديدة للعلاقة بين المسلمين وغيرهم وبين المسلمين فيما بينهم عسى ان تذوب هذه الاكوام من الجليد الآسن ويعود الدفء الى العلاقات بين الناس تحت غطاء من الاحترام وحسن الظن والتربية السلوكية القويمة.

وفي هذا السياق اهيب بابناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج كوني أحد أفرادها أن يلتزموا بالاخلاق الفاضله ما يجعلهم قدوة لغيرهم ونبراسا لأبنائهم من بعدهم فالكل راع والكل مسؤول عن رعيته.و أن يحرصوا أن يكونوا خير سفراء لدينهم و ووطنهم ملتزمين الوسطية والاعتدال في الأقوال كما الأفعال وليمدوا يد الخير لنظرائهم في الخلق من غير المسلمين .تلك هي الصورة التي أراد الله عز وجل أن نكون عليها و ندعو إليها دونما تشدد أو تطرف أو رهبنة أو أحكام جاهزة على هذا أو ذاك (و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء و يقيموا الصلاة ويوتوا الزكاة وذلك دين القيمة).