فرقاء ليبيا يوقعون اتفاق الصخيرات وسط تحفظات كبرى

تحرير: سي احمد بالمعــزى

على أمل إنهاء الصراع الدائر في ليبيا وقع وفدا مجلس النواب الليبي المنتخب والمؤتمر الوطني المنتهية ولايته في قاعة المؤتمرات بالصخيرات المغربية على اتفاق سياسي لتشكيل حكومة وفاق تتولى تثبيت مؤسسات الدولة.

 وقع أعضاء في البرلمانين المتنازعين في ليبيا وشخصيات سياسية اتفاقا برعاية الأمم المتحدة في الصخيرات المغربية، أمس الخميس، يهدف إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، رغم معارضة رئيسي البرلمانين في ليبيا لخطوة التوقيع. وينص الاتفاق على توحيد السلطتين المتنازعتين في حكومة وحدة وطنية، تعمل إلى جانب مجلس رئاسي وتقود مرحلة انتقالية تمتد إلى عامين وتنتهي بانتخابات تشريعية. ولم توضح بعثة الأمم المتحدة آلية تنفيذ هذا الاتفاق أو كيفية ممارسة حكومة الوحدة الوطنية المقترح تشكيلها لعملها في ظل وجود حكومتين منبثقتين عن برلمانين يرفض رئيساهما خطوة التوقيع على اتفاق الصخيرات. لكن رغم عدم توفر الآلية الواضحة التي تشرح كيفية تطبيق هذا الاتفاق في ظل وجود قوات موالية لكلا الحكومتين، قال المبعوث الأممي مارتن كوبلر في بداية حفل التوقيع “إنه يوم تاريخي لليبيا”.

من جهته اعتبر صالح المخزوم، عضو المؤتمر الوطني العام، أن “التاريخ يقف اليوم شاهدا على محطة من أهم محطات مسيرة الثورة نحو بناء الدولة الليبية”، مضيفا أن التوقيع يمثل “الخطوة الأولى في سبيل تحقيق أمن ليبيا واستقرارها”. وقدم المخزوم نفسه على أنه ممثل المؤتمر الوطني العام، رغم أن هذه الهيئة التشريعية غير المعترف بها دوليا في طرابلس، أصدرت بعد جلسة حضرها 73 عضوا من بين 136 بيانا أكدت فيه أنها لم تفوّض أحدا من أعضائها “لا بالمشاركة ولا بالتوقيع” على أي اتفاق.

ودعا فائز السراج المرشح لرئاسة حكومة الوفاق الوطني الليبيين إلى الانضمام إلى الأطراف الموقعة على الاتفاق السياسي، مشددا على أن المرحلة المقبلة تتطلب تكاتف كل الليبيين للتخلص من “أضغان الماضي وبناء المستقبل”، على حد قوله.

في المقابل أبدى أحمد قذاف الدم، المسؤول السياسي لجبهة النضال الليبي، عدم تفاؤله باتفاق الصخيرات، لأنه استثنى جانبا كبيرا من القوى السياسية الفاعلة في ليبيا، وجرى توقيعه بسرعة قياسية، حيث تريد الأمم المتحدة والقوى الدولية الداعمة لها أن تثبت قدرتها على التسوية السياسية والحرب معا. وقال في حوار تنشره “العرب” لاحقا، إن مهمة الحكومة الجديدة تهيئة الأجواء السياسية لاستدعاء قوات الناتو مرة أخرى، وهو ما يفتح المجال لتصورات غامضة. وأضاف المبعوث الشخصي السابق للعقيد معمر القذافي، أنه لا حل في ليبيا إلا بمشاركة جميع القوى الوطنية وفي مقدمتها جبهة النضال الوطني التي تعبر عن طيف واسع من تحالف سبتمبر (يقصد عددا من الرموز السياسية والعسكرية والاجتماعية للنظام السابق). 

وتشهد ليبيا منذ عام ونصف نزاعا على الحكم تسبب بانقسام البلاد بين سلطتين، حكومة وبرلمان يعترف بهما المجتمع الدولي في الشرق، وحكومة وبرلمان لا يحظيان بالاعتراف الدولي يديران العاصمة طرابلس ومعظم مناطق الغرب. وأسهمت الفوضى الأمنية الناتجة عن هذا النزاع في توفير موطئ قدم لجماعات متطرفة وعلى رأسها تنظيم داعشالذي يسيطر على مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) ويسعى للتمدد في المناطق المحيطة بها والتي تضم حقولا نفطية وموانئ تصدير رئيسية.

ويخوض الجيش الليبي بقيادة الفريق أول ركن خليفة حفتر معارك ضد تنظيمات متطرفة في عدة مناطق أهمها بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس)، لكنها تعاني، بحسب حفتر، من حظر توريد السلاح المفروض عليها. وتطالب الحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله الثني الأمم المتحدة برفع حظر السلاح عن الجيش حتى يتمكن من دحر المتشددين والحد من الانفلات الأمني الذي ساهم بشكل مباشر في انهيار مؤسسات الدولة في ليبيا. ومعلوم أن مجلس الأمن أصدر قرارا سنة 2011 (قرار رقم 1970) بحظر الأسلحة عن ليبيا، ولكن هذا القرار تضمّن استثناءات تبيح تزويد وبيع ونقل الأسلحة والمواد ذات العلاقة، بما في ذلك ذخائرها وقطع غيارها، إلى ليبيا بعد الموافقة عليها مسبقا من قبل لجنة العقوبات.

هذا وأعلن خليفة حفتر أن قواته مستعدة للتعامل مع روسيا في مسألة محاربة الإرهاب في ليبيا إذا تقدمت موسكو بطرح حول هذه المسألة، داعيا إلى رفع حظر السلاح عن الجيش. وقال حفتر في مؤتمر صحفي عقب لقاء جمعه برئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مارتن كوبلر في المرج (شرق ليبيا) “مشكلتنا الأولى هي الإرهاب ومن يستطيع أن يقدم في هذا المجال فنحن معه، ونحن نرى أن روسيا جادة في مقاومة الإرهاب”، مضيفا “أي دولة تتقدم نحن مستعدون للتعامل معها وخاصة روسيا”.

ومن جهته أكد كوبلر أن رفع الحظر من قبل مجلس الأمن لن يتم قبل تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، ملمحا إلى مشاركة دولية محتملة في عملية محاربة التنظيمات المتطرفة. يشار إلى أن روسيا أعربت في مناسبات عدّة عن قلقها من تعاظم نفوذ تنظيم داعش في ليبيا وتمكنه من السيطرة على عدد من المدن والمناطق المحورية. وهذه المخاوف من تغلغل داعش في ليبيا وتمكنه من استقطاب الآلاف من المقاتلين من جنسيات مختلفة فتح الباب أمام احتمال توجيه ضربات جوية بصواريخ جوالة روسية ضد الميليشيات الإسلامية المسلحة.

ولا يستبعد خبراء تدخلا روسيا مستقبليا في ليبيا، حيث أكد محمد عز العرب، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه “من الممكن أن تقصف روسيا مواقع داعش في ليبيا، لكن بعد تسوية الأزمة السورية”، موضحا في تصريحات صحفية سابقة، أن الدور الأميركي المحدود في ليبيا قد يسهل مهمة روسيا المستقبلية. غير أن عددا من المراقبين اعتبروا أن التدخل العسكري الروسي في ليبيا مستبعد رغم أن قرار مجلس الاتحاد الروسي خوّل للقوات الروسية التدخل خارج الحدود، مشددين على أن ليبيا تختلف عن سوريا خاصة أن روسيا تملك قاعدة بحرية في طرطوس شرق البحر المتوسط وتريد الحفاظ على مصالحها الجيواستراتيجية في المنطقة.