قرية وسط المدينة

قرية وسط المدينة

بقلم رشيد ولد الشيخ

مقاطعة مولاي رشيد هي احد مقاطعات عمالة الدارالبيضاء غرب المملكة المغربية ،تضم عمالة مولاي رشيد عدة احياء تصطف قرب بعضها،قاسمها المشترك التهميش وسوء التدبير كما تتوفر على عدة مرافق اقتصادية وحيوية منها سوق الجملة للخضروات و الفواكه و المجازر الكبرى للدار البيضاء و سوق السمك بالجملة ، كما أن عدد ساكنيها يتجاوز 200000 نسمة (حسب الاحصاء الرسمي 2004).

يعتبر حي مولاي رشيد (قرية حضرية ) ،رغم العديد من البرامج التنموية من اجل النهوض بالمنطقة إلا أن جل مناطقها تحولت رغم أنف المسؤلين إلى قرى ، وإزداد الوضع سوءا وكارثية مع توالي السنوات ، حيث تتعايش الأكواخ القصديرية مع العمارات و تتنافس الدواب مع سيارات الطرق و الممرات .
ما تعيشه هذه المنطقة من تهميش وفوضى، يجعل كثيرين من سكان حي مولاي رشيد يشعرون بنوع من الاقصاء والتعسف من لدن السلطات، وعلى رأسها المجلس الجماعي لمنطقة مولاي رشيد .

المواطنون في هذه المنطقة يستغربون كون الجهات المعنية لم تلتفت إليهم، ولَم تعمل على الإصلاح ولم تقضي على مظاهر الفوضى والعربات المجرورة والبغال، في وقت توجه كامل جهدها لمناطق مؤهلة أصلا بمركز المدينة.
في هذا الصدد، ساكنة المنطقة تعاني من التهميش ومن غياب عدالة اجتماعية؛ إذ لا يتم الاكتراث بهم وبظروف عيشهم كما أن هناك بعض الطرق بمناطق معروفة يقطنها مسؤولون تتم صيانتها وتتوفر على علامات تشوير، لكن بالأحياء الشعبية تجد لا مبالاة المسؤولين واقصاء المواطنين، وهذا أمر نرفضه وندينه”.
من بين هذه المناطق التي تصنف بالسوداء، (حي المسيرة)، الذي يضم سوقا عشوائيا “جوطية”، تنطبق عليه كل مواصفات البادية ، بل إن بعض الأسواق بقرى مغربية أحسن تنظيما وترتيبا وتجهيزا.
أي زائر لهذا السوق، يفاجأ بمحلات تجارية على شكل أكواخ، بنيت بالقصدير والخشب، تبتعد عن بضعها البعض بمساحات ضيقة، تحولت إلى مجار للمياه العادمة، ما يضطر الزائر إلى “القفز” من مكان لآخر حتى لا تتبلل أحذيته. تعرض هذه الأكواخ جميع المنتوجات، من الخضر والفواكه واللحوم وأخرى لبيع الدواجن، وكلما توغل الزائر، صادف محلات تعرض منتوجات حرفية من قبيل الخشب والحديد والفحم .
في كل زقاق يمر منه المرء، يصادف حيوانات مختلفة، كلاب ضالة وحمير وخيول أنهكت بسبب كثرة استغلالها في العربات المجرورة، وبين الفينة والأخرى يصادف أغناما وأبقارا ترعى جنبا إلى جنب على مخلفات السوق.
تمر الأمور بسلام بهذا السوق العشوائي في الصيف، لكن في الشتاء، يعيش المواطنون محنة من نوع خاص، إذ يتحول الوضع إلى كارثة، جداول مائية وطين كثير، يزين ملابسهم وأحذيتهم، وكأنهم غادروا للتو سوقا بقرية مهمشة .
يشهد السوق انتشارا للإسطبلات بشكل كبير، تكدست فيها الأغنام والأبقار، البعض يتحدث عن انتشار للذبيحة السرية بهذا السوق، ما شجع بعض السكان على تحويل مساحات من منازلهم إلى مستودعات تكترى لـ”الكسابة” بسومات مغرية.
بمحيط سوق المسيرة، انتشرت العشرات من عربات “كوتشي” تقودها أحصنة تعاني الهزل، يتسابق أصحابها في جلب الزبناء، ومزاحمة سيارات الأجرة بشكل كبير، غالبا ما يتحول هذا الاحتكاك إلى تبادل لسب والشتم حول حق الأسبقية وعدم احترام قانون السير.
ليس “الكوتشي” وحده ما يؤثث هذا الفضاء، بل حتى العربات المجرورة بالدواب، سواء تلك المخصصة لنقل البضائع، أو الأخرى التي يستغلها مالكها في جمع القمامة، لها حضور متميز، ما حول حياة السائقين بالعديد من الشوارع والأزقة إلى جحيم، فأغلب سائقي العربات يرفضون احترام قانون السير، بل منهم من يكون تحت تأثير المخدرات، والنتيجة حوادث سير “عبثية”.
ليس حي المسيرة وحده ما يوحي أننا أمام قرية وسط البيضاء، بل بمحيط شارع عبد القادر الصحراوي، انتشرت عدد من الأحياء الهامشية، والمثير أنها أطلقت عليها ألقاب البادية، أشهرها دوار “الهجام” ودوار “أولاد عبد الله”، ودوار “أولاد ملوك” المجاور لعمارات سكنية بنيت حديثا، خصوصا قرب المجزرة الكبرى للبيضاء.
يعيش سكان هذه الدواوير حياة بدائية بامتياز، في ظل وجود منازل قصديرية تفتقد لأبسط شروط السكن، وانتشار الروائح الكريهة بسبب غياب قنوات الصرف الصحي والماء الصالح للشرب.
داخل بعض الدواوير تنتشر عدد من الاسطبلات، يكرونها لمالكي الأغنام والأبقار، قبل عرضها على المجزرة الكبرى، ما حول هذه الفضاءات إلى مراع اختلطت فيها الدواب والمواشي وحتى الطيور بمختلف أنواعها.
انتشار هذه الدواوير بمنطقة مولاي رشيد، أسفر عن ظهور وسائل نقل تقليدية، هي العربات المجرورة بالأحصنة، خصوصا “الكرويلة” التي اختار مالكوها شارع 10 مارس، وبالضبط قرب سوق الجملة للخضر والفواكه محطة للانطلاق نحو باقي الدواوير، قبل أن تنافسهم دراجات “تريبورتور” على نقل الأشخاص، بعد أن حول مالكوها مكانا بحي المسيرة إلى محطة خاصة، أوكلت إلى “كورتي” مهمة تنظيم الرحلات بها وجلب الزبناء، رغم أن هذه الرحلات غالبا ما تكون محفوفة بالمخاطر، بحكم تجاوز الدراجة للعدد القانوني المسموح به للركاب، إذ يصل في بعض الأحيان لأزيد من 15 شخصا، كما يستغل منحرفون هذه الرحلات لسرقة الركاب واعتراض سبيل الفتيات.

بقلم الأستاذ رشيد ولد الشيخ