كلمة محمد صالح التامك حول المبادئ الكونية لحقوق الانسان


كلمة السيد محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بمناسبة فعاليات الندوة الدولية حول: “المبادئ الكونية لحقوق الانسان وتطبيقها في المؤسسات السجنية”، المنظمة يوم 10 دجنبر 2019 بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط.

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآلـه وصحبه
حضرات السيدات والسادة
إنه لمن دواعي سعادتي أن أشارك في افتتاح أشغال الندوة الدولية حول “المبادئ الكونية لحقوق الانسان وتطبيقها في المؤسسات السجنية” التي ينظمها مختبر الدراسات والأبحاث السياسية والقانونية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بجامعة محمد الخامس، وذلك بمناسبة اليوم العـالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف العاشر من دجنبر كل سنـة، والذي شهد اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الانسان، حيث شكلت هذه الوثيقة تحولا تاريخيا في احترام الشعوب للقيم الإنسانية والمبادئ الكونية لحقوق الانسان، بالرغم من مرورها باختبارات عصيبة إلا أن طابعها العالمي الدائم جعل منها أساسا لتكريس قيم المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية.
حضرات السيدات والـسادة؛
إن مسلسل إصلاح مجال حقوق الانسان ببلادنا تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده منذ توليه عرش أسلافه المنعمين شمل مجالات عديدة، وبخصوص ما شهدته هذه الإصلاحات من تطور مؤسساتي فإن إحداث المندوبية العـامـة لإدارة الـسجون وإعـادة الادمـاج جاء في صلب الدينامية التي تروم تخليق الفضاء السجني وأنسنة ظروف الاعتقال وحماية حقوق المواطنين السجناء الذين لا تجردهم منها الأحكام الصادرة في حقهم، ولعـل هذا اللقاء لمناسبة لعـرض التدابير الإجرائية ذات الصلة بتطبيق المبادئ الكونية لحقوق الانسان في المؤسسات السجنية ببلادنـا.
وبما أن المغرب ضمن مصاف الدول التي اعتمدت مخططا استراتيجيا في مجال حقوق الإنسان، باعتباره الدولة الـ39 التي وضعت خطة عمل وطنية في مجال حقوق الإنسان، فإن المندوبية العامة، ووعيا منها بأهمية مواكبة هذه الخطة، تلتزم بتنزيل التدابير الإجرائية لتنفيذها، من خلال تعزيز برامج التدريب والتكوين والتوعية بقيم الإنسان وآليات حمـايتها والنهوض بهـا، وتعمـيم تدريس مـادة حقوق الإنـسان وأحكام الـقانون الـدولي الإنـساني ضمن برامـج التكوين الأسـاسي والمـستمر الخـاص بالمـوظفين، إضافة إلى مواكبة القانون المنظم للمؤسسات السجنية للدينامية التي يشهدها تطور تدبير اعتقال المواطنين النزلاء، بما يضمن أنسنة ظروف اعتقالهم وتحسين ظروف إقـامـتهم وحمـايـة باقي حقوقهم، حيث أعدت المندوبية العامة مشروع مراجعة القانون 23/98 بغية مواكبة التطورات التي يشهدها الوسط السجني، في سياق انفتاحه على محيطه الخارجي وعلى التجارب الدولية ذات الصلة بتدبير المؤسسات السجنية، وبهدف ضمان أوسع وأنجع لحقوق السجناء.
حضرات السيدات والـسادة؛
لقد جعلت المندوبية العامة منذ تأسيسها من أنسنة ظروف الاعتقال محورا استراتيجيا من خلال برنامج تشييد مؤسسات سجنية جديدة بمواصفات دولية، روعيت فيها كل المتطلبات الضرورية لضمان ظروف اعتقال تتماشى والمبادئ الأساسية لحقوق الانسان، حيث خصصت التصاميم المعمارية لهذه المؤسسات حيزا هاما لفضاءات الخدمات الاجتماعية، وإتاحة الفرصة للنزلاء قصد مزاولة الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية، إضافة إلى احترامها للخصوصيات الفئوية في حدود الإمكانات المتاحة، حيث تم إدراج الولوجيات في التصاميم الهندسية لجميع المؤسسات السجنية الجديدة التي تم أو سيتم بناؤها، كما يتم احداث هذه الولوجيات في المؤسسات السجنية الأخرى تدريجا في أفق تعميمها على جميع المؤسسات السجنية، قصد تسهيل حركية النزلاء المسنين و النزلاء في وضعية إعاقة، وذلك تماشيا مع التزامات المندوبية العامة ذات الصلة بتنزيل المخطط الوطني للنهوض بالأشخاص في وضعية إعاقة.
كما تم إعداد مصوغات في كيفية التعامل مع السجناء والمرتفقين في وضعية إعـاقـة سيتم الشروع في تنفيذها لفائدة موظفي المندوبية العامة، إضافة إلى تنظيم دورات تكوينية وتحسيسية لفائدة الموظفين في هذا المجال، مع إدراج بعض المقتضيات بمدونة السلوك والواجبات المهنية لموظفي المندوبية العامة.
ويأتي أيضا برنامج تطوير البنيات التحتية للمؤسسات السجنية في سياق الرفع من المساحة المخصصة لإيواء النزلاء إضافة إلى تقليص نسبة الاكتظاظ التي تستدعى ضرورة الإسراع بإخراج تعديل القانون الجنائي للوجود، وإعمال بدائل للتدابير السالبة للحرية، وتقليص نسبة الاعتقال الاحتياطي الذي يشكل أحد الإكراهات الأساسية في تدبير المؤسسات السجنية، وخاصة في مجال تأهيل المعتقلين لإعادة الإدماج.
وبالنظر لتواجد الفئات الهشة داخل الوسط السجني، فإن المندوبية العامة تعتمد مقاربة حقوقية في إيواء هذه الفئات من السجناء، إن على مستوى ظروف الإيواء أو على مستوى تأهيلهم لإعادة الإدماج. وفي هذا الإطار، تسهر المندوبية العامة على إيواء النزلاء الأحداث إما بمراكز الإصلاح والتهذيب، أو بأحياء خاصة داخل المؤسسات السجنية، كما يتم إيواء النزيلات بمؤسسات سجنية خاصة بالنساء أو بأحياء خاصة داخل المؤسسات السجنية، مع إعطاء هاتين الفئتين الأولوية في ملء المقاعد الشاغرة داخل المراكز البيداغوجية بالمؤسسات السجنية، إضافة إلى إحداث دار الأمهات بكل من السجن المحلي عين السبع 2 والسجن المحلي الأوداية بمراكش، قصد مواكبة متطلبات النزيلات المرفقات بأطفالهن، وتوفير الشروط الملائمة والوسائل اللازمة للعناية بالأطفال، على النحو الذي يمنع أي تأثير سلبي لوضعية الاعتقال على نفسياتهم.
وفي سياق مواكبة المجهودات الحكومية الرامية إلى إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية، شاركت المندوبية العامة في اجتماعات اللجنة الفرعية المكلفة بحكامة منظومة الحماية الاجتماعية، قصد إعداد مشروع السياسة العمومية المندمجة للحماية الاجتماعية ببلادنا، كما تواكب المندوبية العامة التعبئة المجتمعية للقضاء على العنف والتمييز ضد النساء، وكذا حماية قيم ومبادئ حقوق المرأة، من خلال تنزيل التدابير الإجرائية للخطة الحكومية للمساواة ” إكرام”. وفي نفس الإطار، دأبت المندوبية العامة على المشاركة في اللقاءات والندوات المنظمة في إطار تسليط الضوء على دور المـؤسســـات الحكوميـة وهـيئات الـرصـد واليقظـة في منـاهـضة العنـف ضد النسـاء.
حضرات السيدات والسادة؛
في إطار تمكين المواطنين النزلاء من حقوقهم الاجتماعية والثقافية، فإن المندوبية العامة، ومن خلال محور تأهيل المعتقلين لإعادة الادماج، تضمن للنزلاء الحق في التربية والتكوين والتعبير والتواصل مع العالم الخارجي، من خلال برامج بنيوية وأخرى دورية وموسمية، كبرنامج الجامعة في السجون الذي أضحى مناسبة قارة تنظم بمعدل دورتين في السنة، إضافة إلى الملتقى الوطني للسجينات، واليوم الوطني للسجين، والمخيم الصيفي للأحداث الذي عرفت نسخته الثانية مشاركة 3236 نزيلا حدث أي بزيادة تقدر بنسبة 269% مقارنة مع سنة 2018، كما تميزت هذه النسخة باستفادة النزيلات الأحداث لأول مرة من أنشطة البرنامج خلال مرحلتين، وذلك بالسجن المحلي خريبكة 2.
وبخصوص برنامج التعليم والتكوين ومحو الأمية، يستفيد النزلاء من التعليم بمختلف مستوياته، وكذا محو الأمية، إضافة إلى التكوين المهني والفلاحي والفني والحرفي، مع تمكينهم من الشواهد دون الإشارة إلى وضعية اعتقالهم.
وبغية تعزيز علاقات النزلاء بعائلاتهم، تضع المندوبية العامة رهن إشارتهم خدمة الهاتف الثابت، إضافة إلى تجهيز فضاءات الزيارة العائلية في حدود الإمكان لتمكين النزلاء وذويهم من الظروف الملائمة للتواصل، كما يتم تمكين النزلاء من الإذن بالخروج لزيارة أقاربهم المرضى أو لحضور مراسيم الجنازات.

حضرات السيدات والسادة؛
إن المندوبية العامة تضع في صلب استراتيجيتها حق النزلاء في الرعاية الصحية خلال فترة اعتقالهم، حيث توفر لهم خدمات طبية تشمل الفحوصات والتحاليل المخبرية والتتبع النفسي، إضافة إلى نقل الحالات التي تستدعي التدخل الفوري إلى المستشفيات العمومية قصد إجراء عمليات جراحية أو الاستشفاء خارج المؤسسات السجنية، كما عملت المندوبية العامة على توقيع مجموعة من الشراكات مع هيئات حكومية وغير حكومية، قصد تطوير برنامج الرعاية الصحية والنفسية للسجناء عامة، وتأهيـل الوحـدات الطبيـة بـما يتيـح الرفـع مـن مسـتوى الخدمـات الطبية المقدمة للمعتقلين.
وبهدف النهوض بجودة الخدمات المقدمة للنزلاء في إطار تحسين ظروف اعتقالهم، تم تفويض خدمات تغدية المعتقلين للقطاع الخاص، قصد تحسين جودة الوجبات الغذائية المقدمة إليهم، واعتماد دفتر تحملات خاص بكميتها وقيمتها الغذائية، مع مراعاة خصوصيات جميع الفئات، وخاصة النزيلات الحوامل والأطفال المرافقين لأمهاتهم، إضافة إلى النزلاء الذين تستدعي وضعيتهم الصحية تتبع نظام غذائي خاص حسب تقدير طبيب المؤسسة.
وفي إطار العناية الروحية للسجناء، تعتمد المندوبية العامة برنامج سنوي خاص بالمسابقات الدينية يشمل جميع الفئات، إضافة إلى تنظيم دروس الوعظ والإرشاد بتنسيق مع مجموعة من الشركاء، كما يتم تمكين النزلاء باختلاف أجناسهم ومعتقداتهم من مزاولة الشعائر الدينية.
وبخصوص العناية بالنزلاء الأجانب، فإن هؤلاء يستفيدون من جميع الحقوق على غرار باقي السجناء. وقد تم إعداد برنامج خاص بتعليمهم اللغة العربية والثقافة والدارجة المغربيتين، قصد تسهيل عملية إدماجهم وخاصة الذين يرغبون في الاستقرار بالمغرب بعد الإفراج.
وفي ذات السياق، تعمل المندوبية العامة على توزيع مواد النظافة على المعتقلين بانتظام، مع تخصيص أماكن للاستحمام داخل المعقل مجهزة بالماء الساخن وفق المقتضيات القانونية والمواثيق الدولية ذات الصلة.

حضرات السيدات والسادة؛
إن حرص المندوبية العامة على حماية النزلاء أثناء فترة الاعتقال من كل تجاوزات وانتهاكات حقوقية، جعلها تتخذ من محور مناهضة التعذيب وكل أشكال المعاملات غير الإنسانية أولوية في مجال تكوين العنصر البشري، سواء في إطار التكوين الأساسي أو المتخصص والمستمر، حيت يتلقى الموظفون والموظفات تكوينا في المجال الحقوقي يتمحور حول التعريف بالمعايير الدولية لمعاملة السجناء ومناهضة التعذيب، وطرق وآليات الوقاية من التعذيب وسوء المعاملة والممارسات السيئة، والتذكير بالآثار القانونية المترتبة عن ذلك.
وفي هذا الصدد، تم تعميم دوريات على جميع المؤسسات السجنية تحث الموظفين على مناهضة كافة أشكال التعذيب، وضرورة التقيد بالضوابط والمساطر القانونية، مع اتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة في حق كل موظف ثبت قيامه بأفعال مخالفة للقانون. كما تم تفعيل آلية لتمكين النزلاء من التبليغ عن كل أشكال التجاوزات المسجلة في حقهم، من خلال إحداث صناديق الشكايات بجميع المؤسسات السجنية، حيث تعمل المندوبية العامة على إرسالها للوجهات المحددة دون الاطلاع على محتواها، كما تم إحداث المكتب المركزي لتلقي ومعالجة الشكايات، إضافة إلى إعداد بوابة الكترونية خاصة بالشكايات والتظلمات، قصد مناهضة كل المخالفات المسجلة في حق النزلاء وذويهم أثناء فترة اعتقالهم.
وبهدف تكريس قيم التسامح والتضامن والمساواة في صفوف السجناء، عملت المندوبية العامة بتنسيق مع شركائها على تأسيس أندية حقوق الإنسان والمواطنة
بـ 66 مؤسسة سجنية، في أفق تعميم هذه الأندية على جميع المؤسسات السجنية، وفق منهجية تروم تكريس قيم التسامح والتضامن والمساواة، وتمكين النزلاء من آليات كيفية حل النزاعات بالطرق السلمية، ومكافحة كل أشكال التطرف خاصة التطرف الديني، والتربية على حقوق الإنسان والديمقراطية، حيث يضم كل ناد مجموعة من النزلاء والنزيلات الذين تم انتقاؤهم بناء على حسن السيرة والسلوك.
كما أن المندوبية العامة في تنسيق متواصل مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية التي تسهر على تتبع وضعية حقوق الإنسان في السجون، إضافة إلى التفاعل الإيجابي مع الملاحظات والتوصيات الواردة في تقارير اللجان الإقليمية، والهيئات القضائية والحكومية وغير الحكومية.

حضرات السيدات والسادة؛
إن انفتاح الوسط السجني على المجتمع المدني مكن الجمعيات المهتمة بالشأن السجني من الولوج إلى المؤسسات السجنية، قصد تنفيذ برامج تأهيلية وإنسانية لفائدة السجناء، كما أن مشاركة المندوبية العامة في أشغال اللجنة التقنية المكلفة بانتقاء مشاريع الشراكة مع جمعيات المجتمع المدني برسم سنة 2019 في المجالات التي تندرج ضمن استراتيجية وزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان 2017/2021، من خلال محور الأمن المجتمعي وتحديدا التصدي لآفـة المخدرات، لدليل على تكريس المندوبية العامة للمقاربة التشاركية في تدبير الشأن السجني.
وفي الختام لا يفوتني أن أعبر عن شكري الخالص لجامعة محمد الخامس، ومن خلالها مختبر الدراسات والأبحاث القانونية والسياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، على تنظيم هذا اللقاء الذي يندرج ضمن المساعي الرامية إلى تكريس مبادئ حقوق الإنسان ببلادنا، كما أنوه بالشراكة المتميزة القائمة مع جامعة محمد الخامس في سياق تطوير قدرات الموارد البشرية من خلال إحداث ماستر المؤسسة السجنية: الوقاية وإعادة الادماج، والذي نأمل من خلاله تحديث إدارة المندوبية العامة، بما يضمن الارتقاء بالعمل السجني إلى مستوى التطلعات.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير بلادنا في ظل القيادة الرشيدة لمولانا الإمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.