مسيرة موفقة للاطر القنصلية خلال مواجهة كورونا وتدبير امر العالقين المغاربة

احلام اخليفي

مراسلة النهضة الدولية ببرشلونة

 

على اثر عمليات الترحيل التي شملت السياح المغاربة العالقين بكتالونيا إلى أرض الوطن وما أثارته من صخب إعلامي لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى قنوات اليوتوب، ناهيك عن سيل من الادعاءات التي تناقلها رواد هذه الفضاءات كالنار في الهشيم حول تجاوزات عدة عابت عملية الانتقاء و نالت من مصداقية المعايير التي تبنتها الجهات المسؤولة لاختيار الفئات التي استفادت في مرحلة أولى من عملية الترحيل، كان لابد أن نستقصي مدى صحة ما يروج للحد من الفقاعات الإعلامية التي رافقت هذا الملف الشائك، فاخترنا أن نسلط الضوء على عملية الترحيل في برشلونة وضواحيها باعتبار أنها شملت نصيب الأسد من حيث عدد السياح المغاربة المرحلين. وفي هذا الإطار ارتأينا الاتصال بجهات مختلفة حرصا على استقاء المعلومة من مصادر متنوعة من بينها مصادر قنصلية فضلت عدم الكشف عن هويتها وناشطين جمعويين بالإضافة إلى السياح المغاربة العالقين.

أفادت مختلف المصادر التي تجاوبت معنا أن عدد السياح المغاربة العالقين ببرشلونة والضواحي بلغ زهاء 700 مواطن يقيم معظمهم لدى أفراد عائلته أو معارفه، فيما استقرت فئة أخرى في الفنادق وهي تشمل أساسا الحاصلين على تأشيرات قصيرة الأمد من فئة الشباب الذين يفضلون زيارة إسبانيا قبل انطلاق الموسم السياحي الصيفي وارتفاع أسعار حجوزات الخطوط الجوية والفنادق.

ومن جهتها لم تخف المصادر القنصلية بداية مدى صعوبة الوضع بعد إغلاق الحدود المغربية الإسبانية وارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا في منطقة كتالونيا وفرض حالة الطوارئ في إسبانيا، إلا أن قرار السلطات المغربية القاضي بتحمل نفقات السياح العالقين في وضعية صعبة خلف ارتياح كبيرا لدى القنصلية لما فيه من حماية للمواطنين الذين أصبحوا عرضة للاصابة بالعدوى ونضوب مواردهم المالية، فكان همها الأول هو التواصل مع هذه الشريحة من المواطنين لتحديد عددهم والاحاطة بظروفهم واحتياجاتهم.

وفي خطوة عفوية توافد السياح العالقون ببرشلونة والضواحي على القنصلية طلبا للارشاد بشأن الاجراءات الواجب اتخاذها في ظل اغلاق الحدود، حيث عملت القنصلية على جمع بيانات المعنيين بالأمر وتعبئة الجمعيات في مختلف مناطق برشلونة والضواحي لحث باقي العالقين على الاتصال بالقنصلية للتسجيل في اللوائح التي تم تخصيصها لهذه الغرض. وحرصا على ضمان تواصل دائم، قامت القنصلية بتشكيل مجموعات واتساب تحت إشراف طاقمها شملت جميع المواطنين العالقين، من أجل مواكبتهم والرد على جميع استفساراتهم.

وبالموازاة مع ذلك تحملت القنصلية بتعليمات من الوزارة نفقات إيواء السياح العالقين الذين وجدوا أنفسهم بدون معيل وبدون موارد مادية، حيث أمنت لهم السكن في الفنادق مع التكفل بجميع نفقاتهم، إلا أن قرار السلطات الإسبانية إغلاق المؤسسات السياحية، جعل القنصلية تبحث عن البديل وتؤجر لهم شققا سكنية مفروشة، بلغ عددها 22 شقة، مع توفير المؤونة الغذائية ومدهم بالأدوية وباحتياجاتهم الخاصة بما في ذلك أغراض الرضع.

وحسب شهادات المواطنين العالقين، خلف قرار ترحيل السياح المغاربة عبر العالم إلى الوطن الأم صدى طيبا، لاسيما بعد تواتر الأخبار حول تخصيص ثلاث رحلات لإعادة العالقين ببرشلونة، حيث كثفت القنصلية من جهودها التواصلية وقامت بتصنيف المواطنين العالقين بناء على حالتهم الصحية وسنهم وظروفهم الاجتماعية، مع التأكد من تواجدهم الفعلي بعين المكان ومن مدى رغبتهم في الاستفادة من عملية الترحيل، إلا أنه فيما بعد تبين أن الرحلة الثالثة قامت بنقل السياح المغاربة العالقين بكل من طراغونة وخيرونا.

وقد أكد السياح الذين لم يستفيدوا من عملية الترحيل، أن أبواب القنصلية ظلت مفتوحة لهم، حيث قام القنصل العام ببرشلونة باستقبالهم وإطلاعهم على لوائح المستفيدين والمعايير التي تم تبنيها لاختيارهم بكل شفافية واستحقاق، مؤكدا لهم على الصبغة الإنسانية والاستعجالية لعملية الترحيل الأولى التي تم تخصيصها لفائدة الفئات العمرية المتقدمة والحالات المرضية المستعصية، والنساء الحوامل، والقاصرين، بالإضافة إلى الأفراد والأسر التي لا معيل لها والتي تكفلت بها القنصلية بتعليمات من الوزارة من حيث الايواء والتغذية والدواء.

كما أكد القنصل في معرض حديثه عن عملية الترحيل أن الشغل الشاغل للمسؤولين كان هو انقاد ومساعدة الحالات الإنسانية المذكورة، بالإضافة إلى ترشيد النفقات العمومية ووقف نزيف الميزانية المستمر بسبب ارتفاع نفقات السياح العالقين الذين تكفلت بهم القنصلية، علما أن تكلفة الإيواء والتغذية والتطبيب تضاهي اضعاف أضعاف مثيلاتها ببلادنا.

ومن جهة أخرى، لم يُخف القنصل العام أن مركزه القنصلي قد شهد طيلة الأسابيع الماضية طلبا متزايدا على خدماته، وهو مرشح لأن يتضاعف في القادم من الأيام لاسيما مع استئناف العمل الإداري بإقليم كتالونيا مع انتهاء حالة الطوارئ، مما سيجعل القنصلية في أمس الحاجة لكافة طاقاتها البشرية، والتي كان يتم تسخيرها ليل نهار في عملية التكفل بالأسر والأفراد العالقين لتدبير شؤون سكنهم وتزويدهم بمختلف حاجياتهم مع استعمال وسائل القنصلية الإدارية وامكانياتها بمقاييس جد مرهقة للميزانية وللأطر والأعوان.

وقد شدد المسؤول المغربي على أن عملية الترحيل خضعت لأدق معايير الحكامة والترشيد، ولبت في عمقها وطريقة تنفيذها اسما معاني الانسانية وانبل مضامين التضامن والتآزر الوطني، تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة ونظرته الحصيفة التي ابهرت دولا ومنظمات وجهات كثيرة اشادت كلها باستباقيتها وفعاليتها الحاسمة في حماية الوطن والمواطنين.

وبالرغم من أن عددا من السياح العالقين أثنوا على الجهود التي ما فتئت تبذلها القنصلية لاسيما فيما يتعلق بالتواصل والمواكبة، فقد أعربوا عن مدى رغبتهم في العودة إلى الوطن، ووضع حد للاكراهات العديدة، لاسيما النفسية والمادية منها، التي أضحت تقض مضاجعهم.

وبالنظر للمعطيات السابقة الذكر، سيكون لزاما علينا أن نستهجن سيل التسجيلات والأخبار التي تم انتقاؤها بسلبية صارخة لتناول موضوع السياح العالقين ببرشلونة، والتي كانت تهدف بالأساس إلى الضرب في مصداقية ووطنية مؤسسات الدولة، وتبخيس الجهود التي بذلتها القنصلية العامة ببرشلونة، والتي كانت خير شاهد على الانخراط الكامل لطاقمها موظفين و أعوانا، ونكرانهم الذات في سبيل انجاح عملية اغاثة إنسانية صرفة.

كما نؤكد أن المقاطع المبتورة والمفبركة لمحترفي الترويج للفضائح عبر قنوات اليوتوب لن يسعها أن تنال من عزم وانخراط جنود العمل القنصلي الذين أبانوا عن رباطة جأش في خدمة الوطن والمواطنين، مترفعين عن المطالب الانتهازية الرخيصة التي اعتادت سلوك دروب الابتزاز والمساومة. كما أن الخطابات الممسوخة لهذا الفئة المرتزقة ستظل حبيسة قنواتها النتنة التي لا تجد مجالا للوصول إلى المغاربة الشرفاء النبهاء، الذين لا يمكن أن تنطلي عليهم أمثال هذه التلاعبات الوضيعة.