الموانىء وأهميتها في قاطرة التنمية…

port casablanca

الموانىء وأهميتها في قاطرة التنمية…
بقلم عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء

*موضوع تقرير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء حول أهمية الموانىء في قاطرة التنمية الإقتصادية يدخل في سياق مشروع عمل يقوم به المركز لصالح شركة الناظور غرب المتوسط.*
هذه كانت خلاصته.

بفضل الحكمة المتبصرة لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله وايده، استطاعت بلادنا والحمد لله من رفع ترسانة ملاحتها البحرية ببناء ميناءين من أضخم وأكبر الموانيء التجارية على ضفة البحر الأبيض المتوسط في طنجة و في الناظور و سيتم الشروع في بناء أكبر ميناء على المحيط الأطلسي في الجنوب الغربي وتحديدا في مدينة الداخلة باقاليمنا الجنوبية.
فالموانئ تمثل أهمية كبرى للدول واقتصادها وأمنها القومي والإجتماعي، ويمكننا القول: إن الموانئ تعد هبة من الله تفوق أهميتها الصناعات. و هي المحرك الأول للصادرات وللواردات. و من خلالها تحول الدول إلى قلاع اقتصادية عملاقة تتحكم في مسيرة الإقتصاد الدولي. وللتأكيد على هذا الطرح، فإن هناك دولًا بعينها تعتمد مداخيلها على الموانئ وتجارة الملاحة البحرية منها: الصين، كوريا الجنوبية، اليابان. وللتدليل على قوة الموانئ في الإقتصاد العالمي، وباستقاءي لمعلومات حول الموضوع من الموقع الإلكتروني للمنظمة العالمية للملاحة الدولية، أثارت انتباهي الأرقام التالية: ان ما يتم نقله بحرًا سنويًا من البضائع يبلغ 11 مليار طن، أسهم القطاع البحري في نقل 90% منها وقد نتج عن ذلك تحقيق مداخيل فاقت 17 تريليون دولار.
ومن هنا أدركت تبصر الرؤية الملكية في بناء الموانىء لما لها من تداعيات إيجابية في تنمية ملاحة تجارتنا الدولية من جهة الشمال وكذا في الجنوب. و بخصوص موضوع علاقاتنا الدولية المتقلبة مع اسبانيا، فبناء ميناءين بمستوى ميناء طنجة المتوسط وميناء الناظور غرب المتوسط ستبقى المنافسة إقليميًا محتدمة بيننا. ومن خلال تطوير موانئنا، تقنيًا وتشغيليًا، واهتمامنا بالبنى التحتية وبالرقمنة، واستخدام الذكاء الاصطناعي الذي يحدث ثورة تقنية غير مسبوقة في عالم اللوجستيك وسلاسل الإمداد، سنكون بعون الله وقوته منافسين اشداء في قطاع الملاحة البحرية اقليميا.
و للمعلومة فقط، على الصعيد العالمي، لعل أكبر دولة استفادت من ذلك هي جمهورية الصين التي تناول سنويًا عبر ميناء شنغهاي فقط 42.1 مليون حاوية قياسية بمتوسط 3.5 مليون حاوية قياسية شهريًا وصلت 4.5 ملايين شهر ماي 2021. وبعدد يتجاوز 198 ألف حاوية يوميًا. كما يناول هذا الميناء العملاق أكثر من 500 مليون طن من البضائع سنويًا بمتوسط يصل إلى 42 مليون طن شهريًا وبحجم أكثر من مليون طن يتم مناولتها يوميًا وهو عمل لوجستكي تقني غير مسبوق عالميًا.
تجدر الإشارة إلى أن إجمالي ما يتم مناولته من الحاويات سنويًا بموانئ الصين يصل إلى 185.7 مليون حاوية قياسية، ثم يلي ذلك ميناء سنغافورة الذي يناول سنويًا نحو 36.6 مليون حاوية قياسية، وهذه المعلومات تقودنا إلى استنتاج أن تحكم دولتين على مستوى العالم هما الصين بموانئها وسنغافورة حتمت على العديد من الدول إلى بناء موانئ جديدة تضاف للمنافسة بأسلوب تجاري إلى جانب التنافس بين الدول خاصة الآسيوية منها والخليجية لأن تكون موانئها ضمن اهتمامات الخطوط الملاحية العالمية ولا يشترط لأن تكون تلك الموانئ قريبة من خطوط الملاحية الدولية فذلك أصبح أمرًا ثانويًا وإنما محور الارتكاز يتمحور في النقاط التالية:
– أداء لوجستي عالي الأداء في عمليات تجويد الخدمة.
– رقمنة الخدمات.
– تعرفة مناسبة تعتمد على المنافسة.
– أنظمة متطورة ذات شفافية عالية.
– خدمات دعم لوجستي للخط الملاحي، من (صيانة، إصلاح تموين بالوقود، إضافة إلى توفير وسائل الراحة للبحارة وخدمات تبديل الأطقم البحرية).
– مناطق الإيداع وإعادة التصدير.
وفي إطار عملي بمركز المال والأعمال وفي إجتماع سابق لي مع السيد يوسف كوني، المدير الإداري والمالي لشركة الناظور غرب المتوسط، أوضح لي ان ميناء الناظور غرب المتوسط، تكون في المرحلة الأولى، من حاجز رئيسي بطول 4200 متر، وآخر بعرض 1200 متر، وثلاثة  أرصفة بعمق يصل إلى 20 مترا بطاقة تقدر بـ 25 مليون طن، وهو ما يعني ضعف قدرة ميناء  المحمدية، الميناء المختص في المواد البترولية. فهذه المنشأة ستزعج بلا شك الجيران، بالنظر إلى قدرتها الكبيرة على التنافس على أهم الخطوط البحرية، سواء المتعلقة بالمواد البترولية، أو الفحم الحجري، وحتى المواد المختلفة. بالإضافة إلى محطة للحاويات بطول 1500 متر بعمق 18 مترا، وهي تعادل بذلك إمكانيات ميناء طنجة المتوسط ، وأيضا من رصيف مخصص لنشاط الفحم الحجري بطول 360 مترا.
وسيستقبل ميناء الناظور غرب المتوسط” 7 ملايين طن من الفحم الحجري، أي أكثر من الكمية التي يستقبلها ميناء الجرف الأصفر. وسيحتضن الميناء أيضا رصيفا آخر خاص بالمواد المختلفة، والذي يبلغ طوله 320 مترا وبعمق 16,5 متر، أي بطاقة استيعابية تقدر بحوالي 3 ملايين طن. وخلال المرحلة الأخيرة، التي تمتد إلى غاية 2030، فإن الميناء سيتمكن من معالجة 12 مليون حاوية، وطاقة استعابية تقدر بـ50 مليون طن من المواد البترولية، وهو ما يعادل أربع مرات ما يمكن أن يستوعبه ميناء المحمدية.
وعلاقة بالأنشطة التي سيحتضنها الميناء، أكد لي السيد كوني، أن النشاط الأول يتعلق بتخزين وتوزيع المواد البترولية، للاستفادة من الموقع الاستراتيجي، بالنظر إلى أنه يقع بين منطقة لإنتاج الخام، وسوق الاستهلاك، مبرزا أن 30 في المائة من البواخر، التي تهم هذا النشاط تمر أمام جهة الشرق، وبالتالي فالمغرب يسعى إلى الاستفادة من هذا الموقع، وجلب أنشطة مرتبطة بالمحروقات بفضل العرض العقاري بالمنطقة مع إمكانية إحداث معمل للتكرير.
وبخصوص النشاط الثاني، فيتعلق بـمسافنة الحاويات، وذلك للاستفادة من الموقع الجغرافي دائما، فهو موقع محاذ لحوالي 40 في المائة من الخطوط البحرية، التي تمارس هذا النشاط.
أما النشاط الأخير، فيتعلق أساسا بالتزود بالفحم الحجري لتلبية حاجيات المحطات الحرارية، الخاصة بإنتاج الطاقة الكهربائية.
وكشف لي السيد كوني أن التكلفة المالية الخاصة بالمشروع، بلغت في مرحلته الأولى 10 ملايير درهم، 40 في المائة من هذا المبلغ استثمار من طرف الشركة، التي حصلت بدورها على التمويل من مؤسسات وطنية، كصندوق الحسن الثاني، والوكالة الوطنية للموانئ. فيما الباقي سيتم الحصول عليه عن طريق قروض من مؤسسات دولية. وقد أبرمت 3 اتفاقيات تمويل في هذا الإطار، حيث وقعت الأولى مع البنك الأوربي لإعادة الإعمار والتنمية، والثانية مع البنك الإفريقي، والبنك العربي للإنماء اللإقتصادي والإجتماعي.
وجاء في اتفاقية مبرمة سابقا بين الشركة والصندوق، قصد ضمان القرض البالغ قدره حوالي 2 مليار درهم، الذي منحه الصندوق المذكور للشركة للمساهمة في تمويل مشروع المركب المينائي للناظور غرب المتوسط.
و بهذا، يمكننا أن نعتبر ان ميناء الناظور غرب المتوسط هو مهيأً للمنافسة الاقليمية الدولية بحكم موقعه الاستراتيجي على الخط الملاحي الدولي في البحر الأبيض المتوسط والذي سيمر عبره 3% من حجم التجارة البحرية العابرة من خلال 7 ألف سفينة سنويًا ستمثل 2% من حركة التجارة البحرية العالمية.
كما تجدر الإشارة إلى أن أعمال هذا الميناء ستساهم دون شك في تحقيق مداخيل مالية للعديد من القطاعات الحكومية والخاصة من خلال الرسوم التي تتقاضاها نظير الخدمات التي ستقدمها وبالتالي سيسهم هذا الميناء بدور اقتصادي مهم في تنمية واردات وصادرات المملكة.
وللحفاظ على وتيرة نجاحه، فإن الأمر سيحتاج إلى تطوير الرقمنة والذكاء الاصطناعي في رفع كفاءة مؤشر الأداء به، إضافة إلى الربط السككي الممتد عبر كرسيف، العروي، زغنعان إلى الميناء؛ والظهير الخلفي له، بالربط مع مطار العروي للبضائع العابرة من خلال المنطقة الصناعية لسلوان.
و هذا الميناء سيقوم كذلك بدور مهم في مجال تفعيل النقل البيني عبر المتوسط مع موانئ الشمال وخصوصا ميناء طنجة المتوسط من خلال مجموعة من الاتفاقيات التي سيتم توقيعها بين الخطوط الملاحية الداخلية الشمالية من جهة و بين خطوط الملاحة الشمالية مع الغربية كموانيء الدارالبيضاء، المحمدية، الرجل الاصفر و ارتباطاتها مع الموانيء الغربية الجنوبية وخصوصا مع ميناء الداخلة إن شاء الله. وموازاة مع هذه الارتباطات، سيكون علينا العمل على التطوير المستمر لمواكبة تشغيلها والاعتماد على:
– زيادة معدات المناولة التي تواكب الأجيال الحديثة لسفن الحاويات.
– تحسين مرافق الموانئ لضمان سلامة تخزين الحاويات الفارغة في رحلة العودة.
– تحسين القدرة على تبادل المعلومات بين مختلف المرافق داخل الميناء وخارجه.
– زيادة كفاءة الميناء عبر (الذكاء الاصطناعي).
– إنشاء المرافق اللوجستية الإلكترونية.
– تطوير المدن الإقتصادية بمناطق الصناعات (الظهير الخلفي) وربطها سككيًا مع الميناء.
– القدرة على التنبؤ لحساب الوقت الذي ستصل فيه السفن للميناء ومعدلات المناولة لرفع معدل الإنتاجية، عن طريق توفير الخدمات اللوجستية المساندة بشكل مثالي لسرعة التفريغ.
أقول، أن هذا المشروع هو بمثابة قفزة اقتصادية نوعية لمنطقة الناظور والشرق، لكن يبقى لي سؤال يحيرني، هل ستستفيد ساكنة تلك المنطقة من عائدات مشروع ضخم كهذا؟