مع توالي تفكيك المصالح الأمنية للخلايا الإرهابية، كشفت وزارة الداخلية عن إجراء أمنيّ جديد لمحاصرة نشاط الإرهابيين الموالين للتنظيمات الجهادية، وحذرت المغاربة من مغبة استئجار منازلهم لأشخاص دون إبلاغ السلطات بهوية المكترين، مخافة اتخاذها "بيوتا آمنة" لغاية إرهابية، بما في ذلك التحضير لعمليات وشيكة تتربص بأمن المملكة.
وتأتي التحذيرات الرسمية في ظل تنامي وتيرة تفكيك الخلايا الإرهابية بمدن ومناطق عدة، تجاوز عددها في العامين الأخيرين 40 خلية مع إلقاء القبض على 548 شخصاً، من طرف عناصر المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي يشرف عليه عبد الحقّ الخيّام، والتابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، لتصل درجة التأهب الأمني ضمن الاستراتيجية الاستباقية في مجال مكافحة الإرهاب إلى إشراك المواطنين لمحاصرة أي تجمع مثير للشك.
وقال بلاغ وزارة الداخلية: "على إثر تفكيك بعض الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، تبيّن أن هؤلاء يكترون في عدة حالات بيوتا أو شققا من بعض المواطنين، دون أن يبلغوا بذلك السلطات الأمنية المختصة"، مضيفة أن هذا التصرف يشكل تهديدا مباشر لأمن البلاد، "باعتباره يسهل تواري الأشخاص المشبوهين، ويساعدهم على التحضير لأعمالهم التخريبية".
وصدر البلاغ عقب تفكيك "خلية الجديدة" الإرهابية من طرف عناصر المكتب الوطني للأبحاث القضائية، يوم الجمعة الماضي، التي كان عقلها المدبر يقيم في "بيت آمن" بمدينة الجديدة؛ إذ تم حجز أسلحة نارية، و7 مسدسات، وكمية وافرة من الذخيرة الحية، و4 سكاكين كبيرة الحجم، وجهازين للاتصالات اللاسلكية، بالإضافة إلى سراويل عسكرية، وعصي تلسكوبية.
مقابل ذلك، ظهر من المعطيات التي كشفت عنها عمليات تفكيك الخلايا الإرهابية أن بعض الفضاءات التي ينتمي إليها عدد من الموقوفين هي مؤسسات تعليمية، بما فيها الجامعات، كحالة خلية "النساء العشر" التي اعتقلت ضمنها قاصرات يتابعن دراستهن بمؤسسات الثانوي التأهيلي، وحالة الطالب الذي تم إلقاء القبض عليه بمدينة مكناس، والذي يتابع دراسته بأحد المعاهد العليا، ويبلغ من العمر 21 سنة.
وفيما تتبادر إلى الأذهان مؤسسات ومرافق أخرى يمكن أن تشكل مرتعا لنمو الفكر المتطرف، من قبيل المساجد، خاصة تلك غير التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والتي يمكن أن تبقى خيارا استراتيجيا لتنفيذ الخطة الرسمية في مكافحة الإرهاب، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو: هل المقاربة الأمنية وحدها ناجعة لاجتثاث أصل التطرف والإرهاب في الأوساط المغربية؟
في محاولة للجواب على هذا التساؤل، يرى المتخصص في شؤون الإرهاب والجماعات الدينية، ادريس الكنبوري، أن البلاغ الأخير لوزارة الداخلية الذي يدعو المواطنين إلى إعلام السلطات حول الأشخاص الغرباء الذين يكترون بيوتا أو شققا، "يؤشر على تطور نوعي في السياسة الأمنية التي تنهجها الدولة في إطار مكافحة الظاهرة الإرهابية بالمغرب"؛ بحيث تريد الدولة من خلال ذلك "جعل المواطن مشاركا فعليا في محاربة الإرهاب من خلال انخراطه المباشر عبر التبليغ عن الأشخاص الذين يمكن أن يثيروا شبهة".
وفي تصريحه لهسبريس، قال الكنبوري بإمكانية أن يشمل هذا الإجراء مختلف النقاط التي تشهد رواجا وحشودا بشرية واسعة، مثل المساجد والمدارس وبعض المرافق العامة، مشيرا في وقت ذاته إلى صعوبة القيام بمثل ذلك في عدد منها، "مثل المساجد التي تشهد دائما تجمعا بشريا ويلجها أشخاص يعدون غرباء في المدينة أو الحي؛ بحيث لا يمكن الاشتباه في كل شخص أو التبليغ عنه، وإلا سوف تصبح الوضعية بالغة التعقيد ويتحول المجتمع إلى مجتمع يبلغ عن نفسه، وهذا غير ممكن".
وخلص الباحث في الشأن الديني إلى أن هدف الإرهابيين هو الوصول بالمجتمع إلى درجة قصوى من العدوانية تجاه نفسه؛ "لأنهم بذلك يحققون مبتغاهم في تفجير الطاقة السلبية لدى الأفراد وتحويلها إلى عمل موجه ضد المجتمع"، مضيفا: "صحيح أنه في بعض المواقع كالمدارس مثلا أو المؤسسات التعليمية لا بد من رفع درجة المراقبة والحيطة، لكن في الحالات الأخرى فإن المعول عليه هو يقظة الأجهزة الأمنية بمختلف أصنافها والمراهنة على ذكاء المواطنين وقوة الملاحظة لأي أعمال يمكن أن تثير الشكوك"، وفق رأيه.