اتر وسائل التواصل الاجتماعي على المقومات الاجتماعية للأسرة..حمدي الروبي

أثر وسائل التواصل الاجتماعي على المقومات الاجتماعية للأسرة..حمدي الروبي

– تحديد مفهوم (الأسرة):
يعرّف المعجم النقدي لعلم الاجتماع “الأسرة” بأنّها : “الهيئة التي تميز الحياة الإنسانية التي لا يمكن تفسير أيّ هيئة أخرى بدون الرجوع إليها ؛ كونها تمثل نواة المجتمع ، وتتألف من مجموعة أفراد يتقاسمون الأدوار فيما بينهم”. وبناءً على هذا التعريف يمكننا القول إنّ للأسرة شروطًا يجب أن تتوفّر فيها لتحمل اسم الأسرة ، ومن أهم تلك الشروط:
أ. وجود رابطة الزواج بين أفرادها.
ب. وجود سكن مشترك يجمع أفراد الأسرة.
ج. وجود علاقات يقرّها المجتمع بين أفرادها سواء كانت اجتماعيّة أم جنسيّة.

– أثر وسائل التواصل الاجتماعي على المقومات الاجتماعية للأسرة العربية:

يتميز النظام الأسري في المجتمع العربي بأن أساسه المودة والتراحم امتثالاً للتوجيه القرآني العظيم : “ومن آياتهِ أن جعلَ لكم من أنفسِكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعلَ بينكم مودةً ورحمة ًإنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون”.

فالأسرة العربية نظام اجتماعي منضبط مرجعيتة الأب والأم أو أحدهما في حالة غياب الآخر ، وهذا النظام الأسري المتماسك يقوم على:
– تعزيز مبدأ الثواب والعقاب وسيادة القيم التي يؤمن بها المجتمع.
– توفير أجواء التعايش والانسجام بين أفراد الأسرة من خلال معرفة كل فرد بحقوقه وواجباته.
– التسامح ونبذ العنف واستخدام أسلوب الحوار الهادئ لحل المشاكل التي تواجه كل فرد في الأسرة.
– التعاون بين أفراد الأسرة وإشعارهم بالمسؤولية الفردية والجماعية.
– التشاور حول قضايا الأسرة.
– ترسيخ واحترام المعتقد الديني داخل نفوس الأبناء.
– ترسيخ العادات والتقاليد الإيجابية التي يؤمن بها المجتمع.
– بثِّ روح المواطنة والانتماء في الأبناء.
– التكامل مع أدوار ومهام المدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية في التنشئة والتربية والتعليم.

ولكن في ظل (العولمة الاجتماعية والثقافية) ، وفي ظل الانفتاح غير المدروس وغير المنضبط على وسائل الاتصال والتواصل الرقمي ، تنشأ وتتنامى وتتنوع الكثير من السلبيات الخطيرة والتي تُنذر بتقويض بنية الأسرة العربية وتفكيك أواصرها وتعجيزها عن تحقيق أهدافها الأساسية.

وهنا يجب أن نستعرض مجموعة من التأثيرات المباشرة للإعلام الاجتماعي _أو ما يسمى السوشيال ميديا _ على الأسرة العربية وذلك على النحو التالي:

أولا-التباعد الأسري والتفكك الأسري:

من مظاهر تأثير الإعلام الاجتماعي على الأسرة ظاهرة التباعد الأسري أو الجفاء ، حيث أصبح الحديث بين أفرادها مقتصراً على الأحاديث الضرورية والمختصرة ، واختفت الجلسات العائلية الودودة بين أفراد الأسرة الواحدة ؛ حيث أصبح لكل فرد فيها تفضيلاته الخاصة وكذلك معارفه وأصدقاؤه الافتراضيين.

ثانيا-إخفاق الأسرة في تحقيق أهداف التنشئة الاجتماعية:

في خضم التقنيات الرقمية والفضاءات المفتوحة أصبحت مواقع التواصل والاتصال الاجتماعي شريكاً مباشراً للأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية ، لكنه (شريك سلبي) ؛ لأنَّ التنشئة الاجتماعية التقليدية التي تقوم بها الأسرة تعمل وفق نظام اجتماعي مرتبط بالدين والعادات والتقاليد والأعراف ، أما التنشئة الاجتماعية الناتجة عن مواقع التواصل الاجتماعي فلا تقدم حتى الآن سوى تنشئة هجينة من ثقافات متعددة لا يمكن تقنينها أو وضع ضوابط لها أو السيطرة عليها بسبب ما يحيط بها ويصاحبها من مثيرات إغراءات وتأثيرات مباشرة على الفرد في عالم وهمي افتراضي مفتوح على كل الاحتمالات.

ثالثا-الشخصية المصطنعة:

من خلال مواقع التواصل الاجتماعي يلجأ الكثير من أفراد الأسرة _ سواء كانوا بالغين أو أطفالاً_ إلى انتحال شخصيات افتراضية ذات أسماء مزيفة أو جنس مزيف أثناء تواصلهم من أصدقائهم الافتراضيين ، وفي الغالب تميل هذه الشخصيات إلى المخادعة أو الكذب أو الإيقاع بالآخرين ، وكل ذلك يتم بمبررات وذرائع عديدة منها الهروب من الواقع ، والمخاوف السياسية ، وتجنب بطش الأهل والمجتمع.

رابعا-العزلة والانطواء والإدمان:

تسهم مواقع السوشيال ميديا في عزلة لأطفال عن أُسرهم ويقل جدا التواصل بين أفراد الأسرة مما يُضعف دور الآباء والأمهات في تقديم النصح والإرشاد لأبنائهم ويقلل من العلاقات الدافئة والصادقة بين الآباء والأبناء ، فيؤدي ذلك إلى أن الأبناء يبحثون عن حلول لمشاكلهم خارج إطار الأسرة من خلال الرجوع للأصدقاء والمجموعات الافتراضية والتي قد تُشَكِّل قدوة سيئة في بعض الأحيان.
كما طفت على السطح مشكلة الإدمان على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وما يترتب عليها من تأثيرات سلبية على الأسرة والمجتمع منها ضعف وتراجع الحوار البيني التفاعلي بين أفراد الأسرة وما يصاحبه من تغيرات سلبية في سلوك الأطفال بسبب عزلتهم نفسيا وتعرضهم لمعلومات كاذبة عبر أصدقائهم الافتراضيين.