احد جمائل اهل دمشق ليتها تعود
(( انواع الوقف في دمشق ))
بواسطة غسان الطرح
روى الرحالة الشهير ابن بطوطة في ” رحلته ” قصة عجيبة عَدّها من مفاخر دمشق ، قال :
” مررت يوماً ببعض أزقّة دمشق فرأيت مملوكاً صغيراً سقطت من يده صَحْفة من الفخّار الصيني ( وهم يسمونها الصَّحْن ) فتكسرت .. واجتمع عليه الناس فقال له بعضهم : اجمَعْ شُقَفَها واحملها لصاحب ” أوقاف الأواني “…
فجمعها ، وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها ، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن !
وهذا من أحسن الأعمال ، فإن سيد الغلام قد يضربه على كسر الصحن أو ينهره ، وهو أيضاً ينكسر قلبه لأجل ذلك ، فكان هذا الوقف جبراً للقلوب ، جزى الله خيراً مَن تَسامَتْ هِمّته في الخير إليه” .
ثم تحدث عن أوقاف دمشق بإعجاب وانبهار، قال :
“والأوقاف بدمشق لا تُحصَر أنواعها ومصارفها لكثرتها ..
– فمنها أوقاف على العاجزين عن الحج ..
– ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أزواجهن ، وهن اللواتي لا قدرةَ لأهلهنّ على تجهيزهنّ ..
– ومنها أوقاف لفكاك الأسارى ..
– ومنها أوقاف لأبناء السبيل ، يُعطَون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم ..
– ومنها أوقاف على تعديل الطرق ورصفها ، لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبَيه يمرّ عليهما المترجّلون ويمرّ الركبان بين ذلك ..
– ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير”.
وروى ابن جُبَير في “رحلته”:
أن في دمشق وقفاً للأيتام يُصرف ريعه لرعايتهم وتعليمهم وتزويجهم ، قال: “وهذا من أغرب ما يحدَّث به من مفاخر هذه البلاد” .
وفي كتاب “من روائع حضارتنا” :
أخبار عن أوقاف دمشقية بلغت درجة من الرفاهية لم تعرفها البلدان الغربية المتقدمة إلا في العصور الأخيرة ، فقد كان فيها
وقف للقطط تأكل فيه وتنام ، وكان المرج الأخضر (الأرض التي صارت موقعاً لمعرض دمشق الدولي منذ سنة 1954) وقفاً للحيوانات والخيول المسنّة العاجزة التي تركها أصحابها لعدم الانتفاع بها ، فكانت تُترَك لترعى في المرج حتى تموت .
و في “ذكريات” الطنطاوي :
أن الدمشقيين أنشؤوا وقفاً للكلاب الشاردة المريضة يداويها ويؤويها، كان في حيّ العمارة، ويسمّونه “محكمة الكلاب”. وغير ذلك من أعاجيب الأوقاف التي استغرقت كل ما يخطر بالبال من رعاية للإنسان والحيوان .
للتنويه :
ابن بطوطة عاش في القرن الرابع عشر ميلادي والثامن الهجري ودخل دمشق عام ٧٢٦ هـ ١٣٢٦م تقريباً .
من ٧٠٠ سنة تقريباً كانت دمشق الأفضل والأرقى بين الأمم …