الإسرائيليون في انقسام غير مسبوق عوامله عميقة متراكمة.. هل يتدخل البيت الأبيض؟

الناصرة- “القدس العربي”:

تدخل لحظة الاحتقان داخل إسرائيل، في هذه الساعات، ذروتها، قبيل ساعات من المصادقة على مشروع قانون خلافي يُعرَف بقانون إلغاء حجة المعقولية، وسط تصاعد غير مسبوق في حدة السجال، الذي دخل، للمرة الأولى، إلى الجيش، كما يتجلى في إعلان عدد كبير من العساكر عن وقفهم التطوّع والخدمة في الاحتياط.

وتعمل لجنة القضاء والقانون داخل الكنيست، اليوم الأحد، على إنهاء إعداد النص النهائي لمشروع قانون إلغاء حجة المعقولية، لطرحه الليلة القادمة، أو صباح الغد، للمصادقة عليه بالقراءة الثانية والثالثة، وبالتالي يصبح ساري المفعول.

ويقضي هذا القانون الجديد بمنع جهاز القضاء من إلغاء قرارات الحكومة ومنتخبي الجمهور، أو التدخل لدفعهم لاتّخاذ قرار معين.

لبيد: أمام نتنياهو خياران فقط.. إما تدمير الدولة، وتمزيق الشعب، أو وقف التشريع والعودة إلى المحادثات.

وجع قلب
في محاولة لتخفيف وطأة الانقسامات، والتقليل من قيمة التحذيرات من التبعات الإستراتيجية السلبية، قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهو داخل إلى المستشفى، في ساعة متأخرة من الليل الفائت، إنه بخير، وإنه بحال لم تتحقق تسوية فإن الكنيست ذاهبٌ للمصادقة على مشروع قانون إلغاء حجة المعقولية، على أن يبادر فور ذلك للبحث عن تسوية حول بقية مشاريع القوانين المطروحة.

وهناك من يرجّح أن نتنياهو، ورغم تطرّف رؤيته السياسية، لم يكن معنياً بأن تتم المصادقة على الخطة القضائية الإصلاحية بهذا الثمن الذي سبّب له أوجاع رأس وقلب، على ما يبدو، خاصةً أن الصراعات المستمرة، منذ مطلع العام، تشغله عن معالجة ملفات ساخنة ومهمة، مثل إيران والتطبيع وغلاء المعيشة وغيره. وتبعه رئيس حزب “شاس”، وزير الداخلية والصحة المُقال أريه درعي، بأنه يوافق نتنياهو الرأي، وأنه يجب تمرير تقليص حجة المعقولية حتى نهاية الدورة الحالية للكنيست بالتوافق مع المعارضة، أو من دون ذلك.

على خلفية إعلان آلاف العسكريين رفضهم لمواصلة التطوع والخدمة العسكرية في جيش الاحتياط، ومن بينهم 1100 طيار عسكري، وعشرة آلاف ضابط في الاحتياط، نقل وزير الأمن، يؤاف غالانت، رسالة واضحة لنواب الائتلاف بأنه قد يضطر إلى عدم المشاركة بالتصويت على مشروع قانون تقليص حجة المعقولية، إذا لم يتوصل الطرفان إلى صيغة توافقية، أو مخففة.

وتفيد الإذاعة الإسرائيلية الرسمية “مكان” بأن جهات في الائتلاف تهدد بإقالة كل من يصوّت ضد مشروع القانون، أو لا يشارك في التصويت، فيما واصل وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر محاولات التوصل لتفاهمات، حتى ساعات الفجر، لكن دون جدوى.

مذكرة شديدة اللهجة

كما أعرب قادة الموساد والشاباك وقيادة جيش الاحتلال عن دعمهم لضباط الاحتياط في الأفرع الأمنية في وقف مشاركتهم التطوعية في صفوف جيش الاحتياط. وبعث رؤساء جهاز الموساد والأمن العام “الشاباك”، وكذلك رؤساء هيئة الأركان المتقاعدون، أمس السبت، مذكرة لنتنياهو، يعلنون فيها أنهم “يدعمون الجنود والضباط الذين قرروا وقف عملهم التطوعي في صفوف الأجهزة الأمنية”. كما وقع على هذه المذكرة عشرات المسؤولين الأمنيين السابقين، الذين يعتبرون رئيس الوزراء “مسؤولاً عن الأضرار التي تلحق بالأمن”. ومن بين الأسماء الموقعة على المذكرة نجد كلاً من الرؤساء السابقين لجهاز الموساد: ناحوم ادموني، افرايم هاليفي، شبتاي شافيط، داني ياتوم، تمير فاردو.

وكذلك وقّعَ المذكرة رؤساء سابقون للشاباك؛ كارمي غيلون، يوفال ديسكيمن، نداف ارغمان. ومن بين الأسماء الموقعة عددٌ من الرؤساء السابقين لهيئة الأركان العامة مثل: ايهود براك، موشيه ياعلون، داني حالوتس، وغيرهم من الضباط من ذوي الرتب العسكرية الرفيعة.

وجاء في المذكرة: «نحن نرى فيك المسؤول المباشر عن الضرر الجسيم الذي يلحق بالجيش الإسرائيلي وبأمن إسرائيل. إن الحكومة الإسرائيلية تحت قيادتك تدفع بالتشريعات، بينما تتجاهل تماماً الضرر اللاحق بالديمقراطية الإسرائيلية. إن الإجراءات التشريعية تسحق القاسم المشترك للمجتمع الإسرائيلي، وتمزق الشعب، وتفكك الجيش الإسرائيلي وتلحق أمن إسرائيل بضرر فادح».

ومضى قادة إسرائيل السابقون في القول: «نتوقع منك أن تتحمل المسؤولية، وأن توقف التشريعات، وأن تبدأ عملية التحاور من أجل تغييرات تتم فقط عبر التوافق الواسع بين الشعب وكنيست إسرائيل».

إما تشريع متوافق عليه أو تدمير إسرائيل

وشهدت البلاد مظاهرات ومسيرات صاخبة في عدد كبير من المدن. وإلى القدس المحتلة وصلت مسيرة من عشرات الآلاف من الإسرائيليين، وباتوا في خيم في حديقة مجاورة للكنيست، ويواصلون التظاهر، اليوم وغداً.

وأغلق العشرات من المتظاهرين مسالك شارع ايالون، الليلة الماضية، واعتقلت شرطة الاحتلال عشرات منهم.

وخلال المظاهرات قال رئيس المعارضة، يائير لبيد، إن أمام نتنياهو خيارين فقط: إما تدمير الدولة، وتمزيق الشعب، أو وقف التشريع والعودة إلى المحادثات.

بِدورِه حثّ رئيس حزب “المعسكر الرسمي”، بيني غانتس، رئيسَ حكومة الاحتلال على التوصل إلى تفاهمات.

نقل غالانت رسالة واضحة لنواب الائتلاف الحكومي بأنه قد يضطر إلى عدم المشاركة بالتصويت على مشروع قانون تقليص حجة المعقولية، إذا لم يتوصل الطرفان إلى صيغة توافقية، أو مخففة.

وأَعلن عدد من كبار مكاتب المحاماة عن تعطيل عملهم، اليوم الأحد، بسبب التشريع وتأثيره على الشرخِ في الشعب والاقتصاد وأَمن الدولة. وتسمح المكاتب لمستخدميها بالانضمام إلى فعاليات الاحتجاج في القدس.

كما نظمت مظاهرة بمشاركة الآلاف قبالة مبنى نقابة العمال العامة مطالبين رئيسها، ارنون بار دافيد، بتعطيل المرافق الاقتصادية في البلاد، ولم يصدر موقف بعد عن النقابة العامة. بين هذا وذاك تدخل إسرائيل، في هذه الساعات، حالة من الغليان، وتبدو بعض المدن كالمرجل، وهي على مسافة ساعات من ارتطام القطارين المتسارعين وبلوغ نقطة اللاعودة، التي تنذر بالمزيد من التشظي الخطير.

ربما تنجو إسرائيل من هذا التشظي وتبعاته غير المرئية، نتيجة استقالة وزير الأمن يوآف غالانت، ومعه بعض نواب “الليكود” المتحفظين على الخطة “الإصلاحية”. ومن غير المستبعد أن يتدخل البيت الأبيض بشكل مباشر، وأكثر قوة هذه المرة، لفرملة حكومة الاحتلال، ودفعها للتراجع نحو البحث عن تسوية.
ANAHDA INTERNATIONAL TV