الجماهير المغربية تتساءل: من يقف وراء هذا الفشل الكرويّ المُزمن؟

4

قبل ذهاب المنتخب المغربي إلى الكاميرون للمشاركة في النسخة الثالثة والثلاثين من بطولة كأس الأمم الأفريقية، والتي انطلقت يوم التاسع من يناير المنصرم، قام وفد وزاري برئاسة السيد شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بزيارةٍ لمعسكر المنتخب المغربي، ومن هناك عبّر رئيس الوفد عن تفاؤله بمشاركة المنتخب الوطني المغربي في هذه البطولة، وطمأن المغاربة بان اللاعبين لديهم عزيمة قوية للعودة بنتائج إيجابية، لإدخال الفرحة على الشعب المغربي كله.

ولأن المغاربة يحبون منتخب بلادهم، ولأنهم قبل ذلك يعشقون كرة القدم ويتنفّسونها كما يتنفّسون الهواء، فقد تفاعلوا مع كلام الوزير، وعقدوا عليه آمالا عريضة في أن تترجم تلك الوعود الوزارية إلى حقائق على أرض الواقع. ولكن “يا فرحة ما تمت أخذها الغراب وطار” كما يقول المثل الشعبي.

مباشرة بعد إقصاء المنتخب المغربي بعد خسارته في مباراة ربع النهائي التي جمعته بالمنتخب المصري، عبّر كثير من المغاربة عن استيائهم العارم وغضبهم الشديد، وبدأ المحللون الرياضيون يشرحون سبب الإقصاء، وذهبوا في ذلك مذاهب شتى، فمنهم من يرى السبب في الناخب الوطني وحيد خاليلوزيتش، وهناك من يتهم المدرب المساعد مصطفى حجي، وهناك من يرى أن اللاعبين الذين افتقدوا الروح القتالية، هم من يتحمل المسؤولية، إلى من يرى أن الجامعة الملكية لكرة القدم هي السبب الرئيس في تردّي الوضع الكروي بالمغرب. إلى غير ذلك من التحليلات التي قد تكون صائبة وقد تكون غير ذلك.

بيد أني لا أريد الخوض في الأسباب الثاوية وراء خسارة المنتخب، فخبراء كرة القدم أكدوا في أكثر من مناسبة أن المنتخب المغربي لن يذهب بعيدا في هذه البطولة، ويعتبرون وصوله إلى ربع النهاية أقصى ما يمكن أن يحققه. ولكني أريد أن أثير الخسائر التي تطول المال العام بسبب كرة القدم التي لم تجلب لنا سوى التعاسة والشعور بالمرارة.

وهنا أتساءل بكل براءة: لماذا يصرّ المسؤولون المغاربة على إنفاق ملايير الدراهم على المنتخب المغربي لكرة القدم، منذ سنوات طويلة رغم أن مالية الدولة لا تتحمّل كل هذه المصاريف؟ ألا تعرف الميزانية عجزا كبيرا يتم سدّه بالاستدانة من صندوق البنك الدولي؟ أو ليس الشعب المغربي المفقّر أولى بتلك المصاريف؟ ولماذا تصرّ الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، على التعاقد مع المدرب الأجنبي رغم تكلفته الغالية؟ فماذا حقق هذا الأخير من ألقاب تذكر؟ ولماذا تصرّ على جلب كل لاعبي المنتخب من المحترفين بالخارج؟ ألا يتوفر المغرب على لاعبين محليين أثبتوا جدارتهم لحمل القميص الوطني؟ ثم لماذا لا يتمّ الكشف عن رواتب وامتيازات المدربين الأجانب والأطقم المساعدة لهم؟ فهل يعتبر ذلك سرّا من أسرار الأمن القومي للمغرب؟ (وهل… ولماذا…) إلى غير ذلك من الأسئلة الحارقة التي تعتمل بداخلي وبداخل كل مغربي، فلا نجد لها جوابا!

لكن ما نعلمه ويعرفه الجميع أن الميزانية المرصودة لهذه الرياضة (كرة القدم) ضخمة جدا(تفوق ميزانية منتخبات كبرى كفرنسا والأرجنتين والبرازيل) والجامعة الملكية المغربية، التي يرأسها فوزي لقجع هي التي تتصرف فيها، وتدبرها بمنطق ليس فيه ذرة واحدة من ترشيد النفقات، وكأنها أموال سائبة.

وكمثال على ذلك كشف أحد النشطاء المغاربة في تدوينة له ” من خلال عملية حسابية بسيطة -استند فيها إلى بيانات موقع “فلايت رادار” المتخصص في رصد تحركات الطيران الدولي- تُظهر أن رئيس الجامعة فوزي لقجع -وفي ظل إغلاق الحدود المغربية بسبب انتشار متحور أوميكرون- قام بحجز تذكرة ذهاب إلى الكاميرون، كلفت الميزانية العمومية مبلغا قدره 88,720.00 أورو حيث استأجر طائرة خاصة، لحضور المقابلة التي أقصي فيها المنتخب المغربي أمام المنتخب المصري. وهو رقم بسيط في فاتورة “الصفعة الإفريقية” وفق تعبير الناشط المغربي الذي ختم تدوينته بالقول: “وهي فاتورة سرية لا رقيب عليها ولا حسيب يصرفها رجل نسينا إبان إقامته لأسابيع في الكاميرون أنه الوزير المنتدب المكلف بالميزانية”

وقد كان هذا الرئيس – الذي لا يُسأل عما يفعل- قد حضر المباراة الافتتاحية للمنتخب المغربي أمام المنتخب الغاني، لا ندري كم كلّفتنا هي الأخرى. وقبل ذلك كان قد توجّه في رحلة عاجلة، بدعوى مساندة المنتخب المغربي الرديف المشارك في بطولة كأس العرب فيفا التي أقيمت مؤخرا بقطر.

وكي لا نذهب بعيدا، فقبل ثلاث سنوات صرح السيد فوزي لقجع بنفسه لوسائل الإعلام وهو يبرر صرف 55 مليار سنتيم في سنة واحدة على رياضة كرة القدم، حيث قال حينها أنه سيعرض الأرقام بالدرهم، لأن عرضها بالسنتيم يظهرها ضخمة. “هكذا”

وعلّق حينها أحد النشطاء المغاربة على ذلك بقوله: ” لهذا فاختيار المسؤولين عرض أرقام المال بالدرهم هو للتخفيف من هولها وضخامتها عندما يتعلق الأمر بالفشل الذي تسبقه وتوازيه وتعقبه حركة تضليلية قوية للتعمية عن حجم التبذير دون عائد وبما يفوق ما يصرف على مجالات أساسية أخرى”

ألا يقتضي كل هذا الفشل وما يوازيه من تبذير للمال العام، محاسبة صارمة وشاملة، محاسبة صارمة ليس لرئيس الجامعة الملكية المغربية فقط، وإنما لكل المسؤولين وعلى رأسهم الذين يقفون وراءه. ولا نريد أن يتمّ تقديمه كبش فداء بإقالته، ثم بعد ذلك نقول له كما قال عبد الإله بنكيران رئيس حكومة سابق: عفا الله عما سلف” لكل من قام بتبذير أموال دافعي الضرائب.

الشعب المغربي منذ أزيد من خمسين سنة بانتظار تتويج كروي قاري، كذلك الذي خفقت فيه الراية المغربية بأثيوبيا بعد إحراز المنتخب الوطني لقب كأس أمم إفريقيا سنة 1976. ونحن إذ كنا ننتظر ونتمنى حصول لحظة التتويج في الكاميرون، فلكي تدخل الفرحة إلى قلوب المغاربة التي غابت عنهم لسنين طويلة، لعلها تخفف بعضا من الآلام وخيبات الآمال التي تجرعوها على يد الحكومات الفاشلة التي تعاقبت على حكم المغرب.

فلاش: أثار رئيس الحكومة عزيز أخنوش غضبا عارما وسط الجماهير الرياضية المغربية، عندما حاول تبرير إقصاء المنتخب الوطني لكرة القدم من بطولة أمم إفريقيا. حيث قال خلال مروره بمجلس النواب رغم أن المنتخب الوطني، أُقصي وجعل المغاربة حزينين، إلا أن حزن اللاعبين كان أكبر، وأن المنتخب الوطني ينتظره مستقبل أفضل، وأضاف أنه سأل، على حال اللاعبين بعد الهزيمة وعلم أنهم لم يناموا ليلة أمس، وطالب المغاربة بدعمهم مستقبلا.  تصريحات أخنوش هاته، رد عليها نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، واعتبروها تافهة وتستفز الذكاء الجمعي للشعب المغربي، وطالبوه إما بالعمل مع حكومته من أجل إيجاد حلول للإخفاقات المتكررة للرياضة المغربية، أو الرحيل.

وبكلمة: إن حالة عجز الحكومات المغربية في معالجة هذه الإخفاقات المتوالية للرياضة المغربية، يمكن إرجاعها إلى تعلقها بجملة من القضايا الأخرى التي لها صلة بمسألة الحكامة وغياب الشفافية والنزاهة والمحاسبة القانونية، فلا سبيل لتحقيق الإنجازات سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الرياضي إلا في بنية خالية من الفساد.

أمين بوشعيب/ إيطاليا