بعد مسيرة الدار البيضاء، هل وقع فعلا انشقاق في وزارة الداخلية المغربية؟ بقلم حسن بوقورارة

بقلم حسن بوقورارة

 

تفاجئ الرأي العام الوطني المغربي بمسيرة الدار البيضاء يوم 18 سبتمبر المنددة بحكومة عبد الإله ابن كيران، وهذه المسيرة التي تأتي في سياق توتر يمر منه المغرب تلقي بالكثير من التساؤلات حول وجود مؤسسات داخل المؤسسات العميقة للدولة المغربية ومنها وزارة الداخلية.

وعمليا، اعتاد المغاربة الاعداد المسبق للتظاهرات بأسابيع، حيث تحدث التعبئة المكثفة لإنجاح التظاهرات. وتبقى الاعتصامات أو المسيرات العفوية هي التي تقع بشكل مفاجئ ولكن تكون محلية ومحدودة العدد. لكن مسيرة الدار البيضاء تشكل الاستثناء بامتياز في بلد الاستثناء.

فقد تمت الدعوة الى التظاهرة يوم السبت 17 شتنبر  عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وقدمت الى مدينة الدار البيضاء مئات الحافلات والسيارات الخاصة من مختلف مدن وقرى من جميع أنحاء المغرب للتنديد بحكومة عبد الإله ابن كيران، ورفع المتظاهرون صورا وشعارات بقدرها ما أنها مثيرة فهي تدعو الى التساؤل.

فالشعارات التي تطالب بعدم أخونة الدولة وعدم أسلمة المجتمع هي  شعارات نخبوية للغاية، تحيل على نقاش يشهده العالم العربي ولكن يبقى في العموم بين نخبه وطبقته السياسية. وأغلبية نوعية المشاركين في مسيرة الدار البيضاء لا يشاركون في هذا النقاش. وكانت أجوبة بعض المشاركين في المسيرة تثير الشفقة، بعضهم لا يعرف ما معنى أخونة الدولة، والآخر ينفي علمه بأن المسيرة ضد ابن كيران، ونسبة قليلة من المشاركين كانت أجوبتهم تتماشى وشعارات المسيرة.

وكان المغرب قد شهد منذ سنوات مسيرتان حول مدونة الأسرة، وتزعم كل قطب مثقفون وسياسيون معروفون يدافعون عن أطروحات انطلاقا من مواقف محافظة أو متفتحة، كما شاركت جمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية. وكانت المسيرتان نتاج نقاش عنيف في ندوات ومقالات صحفية شغلت الرأي العام فترة طويلة. لكن مسيرة 18 سبتمبر تفتقد لكل هذه الشروط.

ولعل العنوان المأساوي هو تصريحات وزير الداخلية محمد حصاد الذي قال بعدم علمه بمن يقف وراء المسيرة. وأكد الكثير من المشاركين بالصورة والصورة بأن المقدمين والقياد طالبوا منهم المشاركة ووفروا لهم سيارات النقل الى الدار البيضاء.

ولعل المبكي في الأمر هو توظيف هؤلاء القياد والمقدمين قضايا حساسة لا علاقة لها بالمسيرة لاستقطاب الناس لها، ونجد ذريعة محاربة الإرهاب، وملف المغربية المعتقلة في السعودية لمياء المعتمد. كيف يعقل أن الدولة لم تصدر بيانا في ملف لمياء ولكن وظفتها في اسقطاب الناس للمسيرة؟

لقد كان حزب العدالة والتنمية بحكم ترأسه الحكومة محصورا في زاوية حقيقية بعدما بدأ الرأي العام يناقش مدى مسؤوليته في قضايا اقتصادية مثل التقاعد والمديونية الداخلية والخارجية وهزالة التعليم وتدهور قطاعات استراتيجية لأن ابن كيران أعلن أنه هو ن يتخذ القرارات في هذا الشأن. لكن المسيرة قدمت له خدمة غير منتظرة وشكلت له فرصة ذهبية لتفادي النقد وجعلته في موقف الضحية ومنحته طوق النجاة. ويكفي رؤية ردود الفعل الساخرة والانتقادات حتى من أشد معارضي العدالة والتنمية، بل وأن الجميع تنصل من المسؤولية وهو خير دليل على مدى الارتجال.

والأخطر هو أن هذه المسيرة دفعت بوزير العدل مصطفى الرميد الى التشكيك في نزاهة الانتخابات المقبلة، وهو الموقف  نفسه الذي تبناه الكاتب الأول  لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر. فهل كان منظموا المسيرة ينتظرون التشكيك في الانتخابات المقبلة؟

المنطق الذي تعامل به  وزير الداخلية محمد حصاد بعدم معرفته من يقف وراء التظاهرة رغم تورط مقدمين وقياد، يدفع الى استعمال المنطق نفسه والقول بحدوث انشقاق وسط وزارة الداخلية، يتجلى في وجود تيار يعمل في الخفاء وخرج عن السيطرة وأصبح متمردا، ولا ينقص هذا التيار المتمرد سوى بيان في قناة الجزيرة.

وعليه، إذا كان الوزير لا يعرف من يقف وراء التظاهرة في دولة أمنيا ممركزة وذات أجهزة استخباراتية واستعلاماتية تقليدية وحديثة، فليسمح لنا بالقول بوجود انشقاق وتمرد في وزارته.

إذا كنت في المغرب فلا تستغرب