بكر الصديقي يكشف لـ«القدس العربي» بعض وصايا والده الرائد المسرحي المغربي الراحل

الرباط – «القدس العربي»: من المسلّمات في المغرب أن الحديث عن المسرح يجرك رأسا إلى الحديث عن رواده، وعلى رأسهم الراحل الطيب الصديقي، كما أن الحديث عن هذا الهرم الفني المغربي يعني حديثا عن عمر من العطاء ما زال حاضرا بيننا بقوة الإبداع والحضور المسرحي والفكري أيضا.
في هذا الحوار ليس الطيب الصديقي من نستحضر فقط، بل كل تفاصيل المشهد المسرحي الفني المغربي، من خلال الاستماع إلى بكر الصديقي نجل الرائد الراحل الذي يرأس مؤسسة تحمل اسم هذا المبدع تخليدا لذكراه وأيضا حفاظا على إرثه وتعريف الأجيال القادمة به التي لا يمكنها أن تقفز على مرحلة مهمة للغاية أسست للفعل المسرحي في المغرب.
بكر الذي يعد أحد الورثة الأوفياء فنيا للراحل الطيب، لا يذخر جهدا في التعريف بالمسرح المغربي كأولوية بالنسبة له ولـ «مؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والإبداع»، كما أنه لا يتخلف عن المواعيد الكبيرة التي تذكر بمحطات هامة من حياة والده وآخرها «أيام موليير بدون حدود» في فرنسا.
في هذا الحوار سنجد بكر الصديقي يغوص في مواضيع شتى محورها كلها المسرح والممارسة الفنية بالمغرب وحال اهله والأفق الممكن امامهم، ناهيك عن ما راكمته مؤسسة الطيب الصديقي منذ رحيل هذا الأخير سنة 2016.
كان مفتتح الحوار مع بكر الصديقي عن حال الفن والإبداع واليومي المعيش في خضم هذه التحولات، ليؤكد أن «التحولات ليست بالأمر الجديد، فهي طبعت تاريخ الإنسانية منذ عصور مضت، منذ عهد الاغريق الى الاشكال الفرجوية العتيقة، مرورا بالعصور الوسطى الى ما سمي بعصر النهضة في أوروبا، لتليها فيما بعد الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، الى حين الثورة التكنولوجية والتواصلية الراهنة… وإذ تطرقنا الى موضوع الأوبئة، فإن الوقائع التاريخية لا تخلو من الأمثلة الرهيبة، المليئة بالحكم ضمن نفس المنوال.»
وأضاف قائلا «لأن الانسان سمي انسانا لأنه ينسى، قد تتناسى الأجيال ما عاش وتعايش معه أسلافنا، ولو انها تساعد نسبيا في فهم الحاضر… والمسرح يبقى ذلك الفضاء التعبيري القح، على الرغم من التغيرات العميقة التي عاشتها وستعيشها البشرية؛ فعلينا كممارسين ومهتمين وفاعلين التعايش مع الواقع والعمل المستمر والمستدام على ربط الصلة الدائمة مع الجمهور، خصوصا وأن المحن تسنح لنا الفرصة في التجدد والتجديد.»
ممرنا في حوارنا مع بكر إلى ذكرى الراحل الكبير فقيد المسرح المغربي والعربي الطيب الصديقي، وهل تم التفكير في ترسيخ اللحظة بحفل فني أو لقاء أو مبادرة من هذا القبيل إكراما لهذا الهرم الإبداعي وتكون موعدا سنويا؟
في هذا الصدد، أكد بكر أن المؤسسة ترحب وتعمل «على المدى المتوسط لترسيخ ولتكريس فكرة موعد سنوي، في صيغة ابداعية وثقافية تتماشى مع توجهاتنا الفنية، بدون أن يتزامن ذلك مع تاريخ رحيل فقيد المسرح، لأنه رحمه الله لم يكن قط انسانا مأساويا وإنما يتعامل مع الحياة بتفاؤل وببهجة وقسط من التصوف.»
ويشدد بكر على أنه يحرص «دوما على الحفاظ أولا على تلك القيم الإنسانية التي طبعت حياة الطيب الصديقي، ناهيك عن مدرسته الفنية والمسرحية، لأن من بين أصول الابداع المسرحي، اذ لم يكن جوهره، هو الحياة ذاتها ولو أن المجتمعات الإنسانية قد تتغير، الا ان الحاجة الى التفاعل المباشر في قالب فني تبقى في رأيي من الأساسيات في العلاقات الإنسانية، وهذه هي قوة الفنون الحية.»
ولهذا، يوضح المتحدث، «نتوخى إيجاد سبل تكريس مواعد قارة لتقاسم تجاربنا مع العموم والمحبين وعشاق الفنون، ايمانا منا بما اشتغل عليه الوالد طيلة ستة عقود من العطاء والعمل الفني.»
وبحكم أنه نجل الطيب الصديقي ورئيس مؤسسة تحمل اسمه، وبالتالي فهو وصي عن هذا الإرث الكبير، سألنا بكر عن الخطوات والمبادرات التي قمت بها في هذا الاتجاه حتى يظل اسم الصديقي مرجعا في المسرح وسائر فنون العرض؟
وحسب المتحدث، فإن «مؤسسة الطيب الصديقي بالدار البيضاء التي أشرف عليها منذ وفاة الطيب الصديقي في شباط/ فبراير 2016، أنجرت إلى حد الان ما يناهز مئة نشاط ثقافي بدون دعم قار او سنوي، وانما في إطار شراكات متعددة حسب المشاريع والبوادر نتيجة إيرادات شخصية، إيمانا منا بالفعل الثقافي الجاد.»
ويؤكد بكر أنها «أنشطة عديدة من توثيق ورقمنة آلاف الصور والمواد السمعية البصرية، وتنظيم ورشات ولقاءات وعروض وجولات مسرحية، وكذا التواصل مع مختصين وباحثين من شتى الميادين قصد العمل على خلق ديناميكية في البحث العلمي والتأريخ لتجربة معطاءة ما زلنا نسبر أغوارها.»
ويستشهد المتحدث بالقول، «آخر مثال عن ذلك هو أيام (موليير بدون حدود) في إطار النسخة الـ26 لشهر موليير الذي تحتضنه مدينة فرساي الفرنسية، والتي حظيت بحضور خبراء من القارات الخمس قدمنا خلالها عملا للصديقي باللغة الفرنسية حول حياة موليير، فأبهر المختصين والجمهور بقوته وحدته، وجرت مناقشته خلال مائدة مستديرة حول موضوع «موليير والطيب الصديقي، مغامرة مغربية». وما هذا إلا جانب من إبداعات الطيب الصديقي الذي لقب أحيانا بالفنان الشامل عن حق واستحقاق في رأيي.»
وبالنسبة لبكر الصديقي، فإنه لا يتصور «شخصيا أن أسلك مسارا آخر سوى العمل الفني بقدر ما تتلمذت في مدرسة الحياة، إلى جانب فنان لم يكن يفرز بين الحياة اليومية والمهنية، لأنه عاش وتعايش مع وبالمسرح، ولو أنه كذلك كان كاتبا وشاعرا ومخرجا وأديبا وفنانا تشكيليا وهلم جرا.»
عبرنا إلى إكرام ذكرى الراحل الطيب الصديقي، وسألنا نجله هل كانت في مستوى المتوقع والمنتظر أم العكس، ليؤكد «لم نكن ننتظر شيئا على غرار الراحل والذي لم يكن له دخل قار من أية جهة كانت، سواء كانت عمومية أم خصوصية، وإنما كان وفيا لـ (التَّمْغاربيت) ولأصولنا وثقافتنا متعددة الروافد، وكذا لخصوصياتنا وتاريخنا الزاخر.»
وبنبرة حزينة أضاف بكر «أن الفنان قد يعيش نوعا من الإهمال لما تنطفئ شمعة إبداعه لظروف غالبا ما تكون صحية، فإنها إشكالية يعيشها جل المبدعين في بلدنا، ولو أن التوجه الحالي يبشر بالخير، ووعيا من المسؤولين بأن المآسي الإنسانية لبعض الشخصيات المعروفة والمحبوبة لدى الجماهير لا تشرف المجال الفني والثقافي.»
وفي سياق متصل، نوه بكر الصديقي «بالتوجه الحالي نحو تعميم التغطية الاجتماعية لكافة طبقات وشرائح المجتمع المغربي، ولو انني أناشد في الوقت ذاته بتكريس هياكل مخصصة للمتقاعدين من المجال الفني»، وفق قوله.
من حديث الغياب، انتقلنا مع بكر الصديقي إلى حديث اليوم، وسألنا: لو عاد الطيب الصديقي اليوم بيننا هل سيرضى على ما وصل إليه المسرح المغربي اليوم؟
جواب بكر الصديقي كان مقتضبا ومركزا، أفاد من خلاله بأن الطيب الصديقي كان يردد دوما «بأنه يعمل وخصوصا قد يحاسب على مسرحه وليس عن أعمال الاخرين.» وبالنسبة للمتحدث فإنه يكتفي «بالقول بأننا ننشط ضمن مجال الإنتاج المسرحي، الى جانب اهتمامات أخرى كما ذكرت سابقا، وإذا كنا نود الوفاء بالعهد او يوما من الأيام أن نقوم بجرد عهدتنا، قد لا نكون بخلنا جهدا في انجاز أعمال تمثل وتحمل الفن والابداع المغربي الى العالمية، كما انشغل بذلك الصديقي طيلة عقود. «
ANAHDA INTERNATIONAL TV ///PAR OMAR