تنبيهات الملك لغوتيريس ..أعذر من أنذر وأنصف من حذر

عبد الفتاح الفاتحي 

إن الحرص المغربي على التواصل مع الأمم المتحدة بشأن تطورات الوضع في منطقة الكركرات تأكيد على التزامه بالمسؤولية المنوطة بالمينورسو في تطبيق شروط وقف إطلاق النار الذي تشرف عليه المنظمة الأممية منذ سنة 1991.

وعلى هذا الأساس أبقى المغرب قنواته الدبلوماسية ساخنة مع الهيئة الأممية في المنطقة ومع مجلس الأمن الدولي (4 جلسات مغلقة بشأن الوضع في الكركرات)، حتى إنه سجل عدة اتصالات تنبه إلى السلوك الاستفزازي لجبهة البوليساريو دون تقدير مخاطر ذلك عسكريا.

ولأن التوغل العسكري الذي كثفت منه البوليساريو بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في المنطقة العازلة بمثابة تنصل من شروط اتفاق وقف إطلاق النار، حتى إنها تتباهى بخروقات متواصلة لعناصرها، فإن ذلك يسائل دور بعثة المينورسو المرابطة في المنطقة لحماية الاتفاق العسكري.

خلفيات التنبيه الملكي إلى خطورة الوضع في الكركرات

وحيث إن عناصر البوليساريو قد توغلت بصورة متكررة في المنطقة العازلة وعاثت في الشواطئ الأطلسية، وارتكبت مضايقات لمسار النقل والتنقل بين المغرب وموريتانيا ذهابا وإيابها، وهي بذلك تعطل حركة المسافرين المغاربة والموريتانيين، كما تحاول فرض إجراءات على مستعملي الطريق بين النقطتين الحدوديتين للمغرب وموريتانيا، وهي استفزازات مستغربة ولا يمكن القبول بها، فقد استلزم الأمر استشعار الأمم المتحدة بخطورة ما تُقْدِم عليه جبهة البوليساريو من تهديد لسلامة وأمن المواطنين المغاربة وممتلكاتهم في منطقة الكركرات، وحتى تقوم بعثة المينورسو بالدور المنوط بها في ضمان تطبيق شروط وقف اطلاق النار.

المكالمة الملكية.. ضبط النفس

تجسد المكالمة الهاتفية للملك محمد السادس مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إبراز شساعة مساحة ضبط النفس التي تحلى بها المغرب من أجل الحفاظ على السلم والأمن في المنطقة، وتأكيد المساهمة المغربية القوية في مساعدة المجتمع الدولي حتى يوقف استفزازات البوليساريو الخارجة عن أي سلطة.

إن المكالمة الهاتفية وإن ربطت تزايد هذه الاستفزازات بجدية الجولات الملكية دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا في إفريقيا، التي أفضت إلى عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، فإنها بالمقابل سجلت سعي البوليساريو وداعميها إلى إفساد هذه الخطوات التي تخدم إفريقيا وتدعم مسيرة البحث عن حل سياسي لنزاع الصحراء.

ولأن تزايد استفزازاتها تزامن مع عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، فإن البوليساريو بذلك تعمل على إذكاء الصراع بدل المساهمة في إيجاد مناخ ملائم للبحث عن سبل موضوعية لإيجاد تسوية سياسية لنزاع الصحراء كما تنص على ذلك توصيات مجلس الأمن الدولي.

المغرب يخلي مسؤوليته من كل ما يهدد أمن وسلامة المنطقة

إن المكالمة الهاتفية للملك مع غوتيريس تضع بعثة المينورسو أمام مسؤولياتها العملية في ما يخص مراقبة وقف إطلاق النار والإبلاغ عن كل ما من شأنه تغيير الوضع في المنطقة.

وهكذا، فإن التنبيه الملكي يتضمن مساءلة دور بعثة المينورسو في المنطقة، وكيفية مواكبة توغل عناصر جبهة البوليساريو في مناطق لم تصل إليها من قبل، وتتابع مضايقاتها لمستعملي الطريق بين المغرب وموريتانيا، بل باتت تهدد السلامة الجسدية للمواطنين.

الوقائع الميدانية في الكركرات وصفتها المكالمة الهاتفية بالخطيرة وغير المقبولة، وفي ذلك إشارة إلى حجم خطورة ما تقوم به الجبهة على أمن وسلامة المنطقة، وبالتالي تحميل المنتظم الدولي مسؤولية تداعيات الجهة التي تستهدف استقرار المنطقة، واستفسار عن مدى تحمل بعثة المينورسو مسؤولية حماية شروط وقف إطلاق النار كما تم التوقيع عليه في سنة 1991.

دلالة التنبيه الملكي لغوتيريس.. المغرب لا يقبل تعديلا في قواعد الاشتباك

إن انتفاء حالات اللاتوازن التي كانت قائمة بوجود المغرب خارج الاتحاد الإفريقي، كما أن جدية المناقشات السياسية والدبلوماسية التي قادها الملك مع قادة الدول الأفريقية، أكدت أن المغرب يمتلك مشروعا أكبر بكثير من إيجاد تسوية سياسية لنزاع الصحراء من خلال مشاركات القادة الأفارقة في ذلك.

البوليساريو والجزائر تحسان بأن المشروع المغربي السياسي من خلال العودة إلى الاتحاد الإفريقي وطلب الانضمام إلى عضوية دول غرب إفريقيا الاقتصادية (إكواس)، وكذا من خلال تعزيز اتفاقيات التعاون التي استهدفت مختلف الدول الإفريقية، إنما هو احتواء قاري لإشكالية نزاع الصحراء بما تقتضيه التحديات الأفريقية من تبصر وواقعية.

لهذه الاعتبارات تدفع الجبهة نحو توتير المنطقة أمنيا والتهديد بالعودة إلى الحرب كعقاب للمنتظم الدولي الذي تتهمه بعدم تطبيق الاستفتاء. وهكذا، فحينما تهدد الجبهة بالعودة إلى محاربة المغرب، فإنها تمارس سادية سياسية على المنتظم الدولي ليطبق ما تراه حلا لنزاع الصحراء.

والمغرب أخلى مسؤوليته مما يترتب عنه الوضع في ما يخص محاولات البوليساريو بتحرشاتها واستفزازاتها في الكركرات؛ ذلك أن أي تغيير في قواعد الاشتباك ستضطر معه المملكة المغربية إلى الضرب بكل قوة.

العودة إلى الحرب آخر أوراق البوليساريو

تحاول البوليساريو تجاوز حالة الضغط السياسي الداخلي وتراجع مصداقية دعايتها داخليا وإقليميا ودوليا، لاسيما بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وبالإجماع، وتواصل الجولة الملكية دليل على أن رهانات المغرب أكبر من العودة إلى تعاون استراتيجي يعزز قيم الاندماج الإفريقي.

أمام هذه التحديات اهتدت البوليساريو إلى آخر الخيارات، وهو توتير المنطقة عسكريا لإيجاد واقع جديد تحيي به أمالها الانفصالية. ولذلك تكثف من استفزازاتها في الكركرات، التي ظل المغرب يتجاهلها، لأنها تقدر أن العودة إلى الحرب قد تكون لها عائدات سياسية لصالحها (التعاطف الدولي من خلال لعبة المظلومية).

وعليه، فلا مبررات موضوعية لاستفزازات البوليساريو الأخيرة غير إيجاد فرصة لتجاوز حالة الحصار التي أقامها عليها المغرب بعودته إلى الاتحاد الإفريقي سياسيا، وبترحيب غالبية الدول الإفريقية بالرؤية الملكية لاستراتيجية تعاون جنوب – جنوب الاقتصادية والسياسية والأمنية.

*باحث متخصص في قضايا الساحل والصحراء