رهانات الأبناك التشاركية بالمغرب

رهانات الأبناك التشاركية بالمغرب
بقلم: عمر بنشقرون، مهندس في المالية الإسلامية و مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء

في الحوار الشهري الذي ينظمه مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء بمعية مجموعة من القنوات الوطنية، والذي كان موضوعه: رهانات النظام المالي الإسلامي بالمغرب. سأحاول تنوير قرائي الأعزاء ما استطعت، حول واقعية وحتمية الأبناك التشاركية التي صارت لها مكانة متقدمة على صعيد الإقتصاد العالمي حيث أن هذا النوع من التمويلات له أزيد من 2000 مؤسسة تدير أصول واستثمارات بلغت 2.4 ترليون دولار و أن نسبة كبيرة من المغاربة عبرت عن استعدادها للتعامل مع هذا الصنف من التمويل البنكي. و هنا، أود أن أنبه إلى أن تأخر المغرب مقارنة بباقي الدول العربية والإسلامية في تبني الأبناك الاسلامية جعله يستفيد من جل التجارب الناجحة والفاشلة في هذا المجال. كما أن للدولة المغربية تفسير لرفضها دخول الأبناك الإسلامية الأجنبية لوحدها إلى السوق المغربية كما تطرقت لأهم التحديات والأولويات التي تواجه الأبناك التشاركية بالمغرب حاليا وكذا ما يربحه المغرب من دخول هذه التمويلات للسوق المحلية.
وهذا نص الحوار الذي اجريته كاملا:
بداية هل من ورقة تعريفية للأبناك التشاركية؟
الأبناك الإسلامية حقيقة واقعية في معظم البلدان الغربية والإسلامية، كما امتد نشاطها إلى معظم أنحاء العالم لأزيد من 60 بلدا، أي ما يقارب ثلث دول العالم، وأصبح لهذا القطاع كيانه المستقل وشخصيته المتميزة وقواعده العلمية الخاصة به، مما أهله لاحتلال مكانة متقدمة على صعيد الاقتصاد العالمي، جعلته يلعب دورا أساسيا في الحياة الاقتصادية، وذلك من خلال استقطابه للمدخرات وتوجيهها لاستثمارات تصب مباشرة في مشاريع التنمية، إضافة إلى دوره التضامني والاجتماعي التنموي وما يقدمه من خدمات بنكية حسب الفئات والحالات.
لماذا الأبناك الإسلامية أو “التشاركية” وما هي قيمتها الإضافية ؟
ما يؤكد على أهمية تعاملات الأبناك الإسلامية على مستوى العالم، هو ارتفاع عدد المؤسسات المالية الإسلامية واتساع انتشارها الجغرافي. فقد بلغ عددها أزيد من 2000 مؤسسة، فيها أبناك إسلامية، ونوافذ للخدمات البنكية الإسلامية في البنوك التقليدية، وشركات التكافل ومؤسسات مالية إسلامية أخرى، مثل شركات التمويل والاستثمار. وما يعزز مكانة ونجاعة التمويل الإسلامي على مستوى العالم، تنامي حجم أصول واستثمارات الأبناك الإسلامية، والتي بلغت 3.3 ترليون دولار سنة 2018 وتجاوزت هذا الرقم في سنة 2019، وحسب تقرير للمؤتمر العالمي للمصرفية والمالية الإسلامية الذي نظم في 2019، كان يُتوقع أن يصل حجم هذه الأصول المالية إلى 4.3 تريليون دولار في نهاية عام 2020 الا ان ظهور الجائحة كورونا عاقت هذا النمو، وهو ما يمثل 1.85 في المائة من إجمالي الأصول العالمية، بمعدلات نمو تتراوح بين 15 و20 في المائة سنويا. علاوة على ذلك، عرفت قيمة الصكوك الإسلامية المُصدرة كأدوات دين، ارتفاعات مستمرة وثابتة لتصل قيمتها إلى أزيد من 300 مليار دولار، وأيضا تجاوز قيمة الأصول الاستثمارية، التي تديرها الصناديق الاستثمارية الإسلامية على مستوى العالم بأكثر من 75 مليار دولار، وكذلك ارتفاع حجم قطاع التأمين التعاوني بمبلغ 20 مليار دولار.
ولكن ما هو الفرق بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي؟
من بين أهم العوامل التي ساعدت على انتشار تعاملات الأبناك الإسلامية عالميا، صلابة المبادئ والركائز الأساسية التي يقوم عليها التمويل الإسلامي، والتي تتجلى في: – أولا، تحريم التعامل بالفائدة أو الربا، أخذا وعطاء. هذا التحريم اتفقت عليه جميع الأديان السماوية ومُعظم أعلام الاقتصادي، واعتبروه الخطأ الأساسي في النظام النقدي والنظام المالي الحالي.
– ثانيا، التشارك في المخاطر والربح والخسارة، وهذا مستند إلى قاعدة “الغُرْمُ بالغُنْم” المستمدة من قوله ص “الخراج بالضمان”، أي أن المرء يستحق الربح عندما يتحمل مسؤولية مخاطر الخسارة على أساس رأس المال الموجود والجهد المبذول.
– ثالثا، تحريم بيع الغرر، وهو بيع غير المملوك وغير المعلوم، وبصفة عامة كل ما هو خداع أو عدم تأكد أو تظليل فهو غرر.
– رابعا، الوضوح والشفافية وقدسية عقود التمويل بأركانها الثلاثة الصيغة ومحل العقد والعاقدان.
– خامسا، ارتباط التمويل الإسلامي بحركية التجارة الحقيقية أو بصفة عامة بالنشاط الاقتصادي الحقيقي، أخذا بعين الاعتبار أولويات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية بدءا بالضروريات والحاجيات والتحسينيات.
– سادسا، تحقيق التكافل والتماسك الاجتماعي لتخفيف التفاوت والهوة بين الأغنياء والفقراء، لهذا فهو يوفر خدمات للمحتاجين من الناس كالقرض الحسن بالإضافة إلى الهبات والتبرعات الخيرية.
– سابعا، استثمار الأموال في مشاريع تتوافق مع الشريعة وتجلب المنفعة والفائدة للمجتمع.
كيف ترى آفاق الأبناك التشاركية في المغرب؟
حسب دراسة سابقة قامت بها وكالة “تومسون رويترز” بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، حول التمويل الإسلامي بالمغرب: أعرب 98 في المائة من المغاربة عن اهتمامهم بالمنتجات المصرفية الإسلامية، 84 في المائة منهم عبروا عن أملهم في أن تكون هذه المنتجات أقل تكلفة من تلك التي تقدمها البنوك التقليدية. ورجح التقرير أن تبلغ قيمة الأصول الإسلامية في المغرب نحو 9.8 مليارات دولار بحلول عام 2020، أي ما يعادل 13 في المائة من مجموع الناتج الداخلي الإجمالي، بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من المغاربة، تصل إلى 70 في المائة، تُفضل عدم التعامل مع البنوك التقليدية لاعتبارات شرعية، وهذه المعطيات تؤكد الآفاق الواعدة للمالية الإسلامية في المغرب.
علاوة على ذلك، كان من فوائد تأخر المغرب في إطلاق الأبناك التشاركية، استفادته من جل التجارب الناجحة والفاشلة في هذا المجال، وتبني أفضلها والتي تتناسب مع السياق المغربي، وجعله يضع قواعد وأسس متينة لصناعة المالية الإسلامية بشكل عام وللأبناك بشكل خاص.
كيف تفسر رفض الدولة دخول الأبناك الإسلامية الأجنبية لوحدها إلى السوق المغربية؟
الجواب هو أن المغرب، أراد الحفاظ على مصالح البنوك المغربية حتى لا تنهار بسبب فقدان أعداد كبيرة من عملائها، بالإضافة إلى سعيه لتحقيق التوازن بين الأبناك المغربية والأبناك الأجنبية العاملة في المالية الإسلامية، ولهذا دفعت الدولة الأبناك المحلية إلى عقد شراكات مع المؤسسات الخارجية، وهو ما يفسر دخول القرض العقاري والسياحي في شراكة مع بنك قطر الدولي الإسلامي، والبنك المغربي للتجارة الخارجية لإفريقيا مع المجموعة السعودية البحرينية دلة البركة، والبنك الشعبي المركزي مع المجموعة السعودية غايدنس، والقرض الفلاحي للمغرب مع المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص التابعة للبنك الإسلامية للتنمية. و ستمكن هذه الشراكات المغرب من استقطاب رؤوس أموال كبيرة ودائمة من الدول الخليجية، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرة هذه الدول في مجال الصيرفة الإسلامية.
ما هي أهم تحديات وأولويات الأبناك التشاركية في المغرب؟
من أهم التحديات التي يمكن أن تؤثر قليلا على انطلاقة الأبناك التشاركية، الصورة السلبية التي أُخذت عنها بسبب فشل التجربة السابقة لـ”المنتجات البديلة” والتي تركت انطباعا سيئا لدى المغاربة عن المنتجات المالية الإسلامية، إضافة إلى ارتفاع كلفتها مقارنة بالأبناك التقليدية، كما أن الغالبية تعتقد على أن الأبناك الإسلامية هي أبناك ربحية تجارية بامتياز، لأنها تعتمد في معاملاتها على منتج واحد هو منتج المرابحة على حساب المنتجات التمويلية الأخرى كالمشاركة والمضاربة.
وعلى هذا الأساس، ولتفادي سوء الفهم هذا (سواء المتعمد أو البريء)، وجبت مواكبة خروج الأبناك الإسلامية بحملة إعلامية واضحة ومُبسطةـ تُصَحح الصورة السيئة عن التمويل والأبناك التشاركية وتوضح قواعده ووظائفه ومنتوجاته المالية، وتشير إلى دور هيئة الرقابة الشرعية. – ثانيا، ينبغي مراعاة تكلفة معقولة للخدمات التشاركية المقدمة تراعي شروط التنافسية والمنافسة مع نظيراتها التقليدية.
– ثالثا، من الضروري أن تعتمد هذه الأبناك التشاركية على الصيغ التمويلية التشاركية، والتي ستساهم في تمويل المشاريع الاستثمارية وتقديم حلول مالية لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تعاني من مشاكل التمويل.
– رابعا، التركيز على ما يوفر خدمات للمحتاجين من الناس كالقرض الحسن بالإضافة إلى الهبات والتبرعات الخيرية وإخراج صندوق الزكاة للوجود.
اذا سيربح المغرب والمغاربة من التمويل الإسلامي؟
حسب دراسة كان قد أعدها الدكتور البشير عدي حول الأبناك التشاركية في المغرب، ستساهم هذه الأخيرة في: أولا، جذب المدخرات المحلية المعطلة والتي تقدر بملايير الدراهم، وهو ما سيرفع نسبة “الاستبناك” بنسبة تقارب ضعف النسبة الحالية. ثانيا، اجتذاب أموال المواطنين المغاربة بالخارج المتعاملين مع المؤسسات غير الربوية والمودعة بالمؤسسات المصرفية الغربية، والتي تقدر كذلك بملايير الدراهم (بلغت سنة 2081 حوالي 53 مليار درهم حسب تصريحات مكتب الصرف). ثالثا، استقطاب الأموال الخليجية التي تبحث عن أسواق آمنة متعاملة للاستثمار وفق الصيغ الشرعية والتي تقدرها بعض الإحصائيات بـ400 مليار دولار. رابعا، إيجاد صيغ تمويلية للقطاعات غير المهيكلة التي لا توفر لها الصيغ المعمول بها حاليا في البنوك التقليدية آليات تمويل مشاريعها، متمثلة بالإضافة للمشاركة والمضاربة والمرابحة والإجارة، في السلم والاستصناع والمغارسة والمزارعة. خامسا، المساهمة في تنويع الاستثمارات في مختلف المجالات الصناعية والحرفية والفلاحية، وتشجيع المشاريع الإنتاجية المحلية للتخفيف من آثار عجز الميزان التجاري، وتشجيع التشغيل الذاتي وبالتالي إدماج موارد وطاقات بشرية مهمة في سوق الشغل بما يخفف من أزمة البطالة. سادسا، تقديم حلول لبعض المشاكل التي تعاني منها العديد من الأسر المغربية، وعلى رأسها مشكل السكن، وذلك من خلال قروض المرابحة العقارية،  مع ما يترتب عن ذلك من انعكاسات إيجابية على المستوى الاجتماعي.
هذه الايجابيات والمنافع المتعددة ستنعش النشاط التجاري والاقتصادي في بلادنا، وستمكنه من تنويع تعاملاته وشركائه، وبالتالي تحريك عجلة التنمية، بالإضافة إلى تعزيز مكانة المغرب الاستراتيجية عالميا، حيث سيتحول إلى قطب مالي ووسيط استثماري ومركز مالي عالمي بين الدول الأوروبية ودول الخليج والدول الإفريقية (بحكم موقعه الجيواستراتيجي، وحضوره الوازن في إفريقيا…)، مما سيؤثر إيجابا على التقدم الاقتصادي المغربي، وتخفيف أعباء الديون الخارجية، وفك الارتهان بالدول والمنظمات الدولية، ولا شك سيقوي الطرح المغربي بخصوص قضية وحدته الترابية. بالإضافة إلى ما ذكرناه من منافع اقتصادية ودبلوماسية وسياسية للأبناك التشاركية على المغرب، فإن أهم دور لها، والذي لا ينبغي أن ننساه ونُغفله في خطابنا، هو مساهمتها ماديا ومعنويا في حماية المجتمع وتحقيق التكافل والتماسك الاجتماعي وعدالة توزيع الثروة، وهو لب وجوهر الاختلاف بين التمويل الإسلامي والتمويل التقليدي، وهو القيمة المضافة للنظام المالي المغربي الذي يحتاج لمثل هذا التمويل لخلق ثروة وتنمية اقتصادية شاملة مرتبطة بتنمية اجتماعية دائمة.