فرنسا تحبط حملة أوروبية لتطبيع حرية الحجاب

تحت عنوان “الجمال في التنوّع والحرية في الحجاب”
  • فرنسا تحبط حملة أوروبية لتطبيع حرية الحجاب
محمد  أمين
بواسطة لمباركي فتيحة
مراسلة النهضة من فرنسا
فرنسا تحبط حملة أوروبية لتطبيع حرية الحجاب

أفشلت السلطات الفرنسية حملة أطلقها المجلس الأوروبي لمكافحة التمييز، تدعو إلى اعتبار الحجاب ضمن الحريات المكفولة قانونا، وذلك بعد حملة مضادة قادها سياسيون فرنسيون في السلطة والمعارضة، ما اضطر القائمين على تنظيم الحملة إلى توقيفها والتفكير في بدائل جديدة.

الحملة التي أطلقت الخميس المنصرم، اختير لها شعار “الحجاب يُحرِّر”، وقد جاءت في إطار برنامج مخصص لمكافحة التمييز وبتمويل من الاتحاد الأوروبي. ويظهر الفيديو الترويجي للحملة الملغاة، صورا متحركة لنساء نصف محجبات، أي نصف وجه محجب والنصف الآخر غير محجب.

والمجلس الأوروبي الذي أطلق الحملة، هي منظمة تعنى بسيادة القانون والحقوق الإنسانية والاجتماعية في القارة الأوروبية، وقد أسست بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتضمّ عشرات البلدان من داخل الاتحاد ومن خارجه.

وبينما مرت الحملة في بلدان الاتحاد الأوروبي الـ27 في ظروف عادية، كان الأمر في فرنسا مغايرا تماما، بل وصادما، حيث أثار جدلاً واسعاً، وهو ما وضع القائمين على الحملة أمام حتمية سحبها من التداول الثلاثاء، بسبب الضغوط التي مورست عليها من قبل الحكومة الفرنسية، وفق مراجع متطابقة.

ويبدو أن الأمر الذي أثار الفرنسيين هي العبارة التي تضمنها الفيديو: “الجمال في التنوّع مثلما الحرية في (لبس) الحجاب”، لأن فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي منعت النساء من ارتداء الحجاب في الأماكن العمومية منذ عام 2011.

ومن سوء حظ القائمين على الحملة أنها تزامنت وارتفاع منسوب السجال السياسي في فرنسا مع اقتراب الرئاسيات ما جعلها مادة دسمة للمزايدات السياسوية، فقد اصطف الفرقاء السياسيون على التصدي للحملة الأوروبية، بمواقف مشحونة بعداء يتنافى وقيم الجمهورية الفرنسية القائمة على الحرية والمساواة والأخوة، كما هو مدون في شعاراتها.

الحكومة الفرنسية كانت في مقدمة المنتقدين للحملة الأوروبية التي تعتبر الحجاب جزءا من حرية المرأة، وقالت على لسان وزيرة الدولة المكلفة بالشباب، سارة الحيري، إن فرنسا “أعربت عن رفضها الشديد” للمبادرة الأوروبية.

واللافت في الأمر هو أن بعض الوجوه السياسية المعروفة بوسطيتها، تصدت للحملة الأوروبية، على غرار ميشال بارنيي، كبير المفاوضين الأوروبيين في ملف بريكست سابقاً، والمرشح عن “الجمهوريين” للانتخابات الرئاسية، والذي وصف مبادرة المجلس الأوروبي بأنها “غير مناسبة”، لأن “الحجاب ليست أداة لحرية النساء، إنه العكس”، على حد زعمه.

ودعا بارنيي الذين أطلقوا هذه الحملة إلى الذهاب إلى العاصمة الأفغانية كابول لمعرفة رأي النساء هناك، في الوقت الذي لم يتجرأ على دعوة حكومة بلاده إلى اعتبار الحجاب جزءا من حرية المرأة، كما هو معمول به في بقية بلدن الاتحاد الأوروبي.

ولم يختلف موقف فاليري بيكريس وهي مرشحة أخرى لليمين بشأن الحملة الأوروبية الداعمة للحجاب، وذهبت إلى القول بأن هذا اللباس “ليس رمزا للحرية، بل رمزا للخضوع”، حالها حال رئيس بلدية نيس إريك سيوتي الذي اعتبر المبادرة بمثابة “ترويج للحجاب الإسلامي”.

أما اليمين المتطرف فمنتظر منه كل ما هو قبيح عندما يتعلق الأمر بالمسلمين والمهاجرين عموما، ويشار هنا عادة إلى مارين لوبان، المرشحة أيضاً للانتخابات الرئاسية، التي وصفت الحملة الأوروبية المؤيدة للحجاب الإسلامي بـ”الفضيحة”، حالها حال المرشّح المحتمل للرئاسيات الفرنسية، إيريك زمور، المهاجر منفصم الشخصية، الذي وصف مبادرة المجلس الأوروبي بـ”الجهاد الإعلاني”.

كل هذه الانتقادات الفرنسية كانت كافية لانصياع المجلس الأوروبي، وإعلانه سحب المبادرة والتفكير في تقديم المشروع بطريقة مختلفة. والسؤال الذي يتعين على الفرنسيين الإجابة عليه هو: لماذا تتفقون مع الأوروبيين في كل شيء إلا عندما يتعلق الأمر بالجالية المسلمة؟ إنها العقدة التي يتعين على الفرنسيين التحرر منها.