كرة القدم والسياسة.. أي علاقة؟

كرة القدم والسياسة.. أي علاقة؟

اعداد وتقديم: زهار نورالدين

الرياضة بصفةٍ عامةٍ وكرة القدم بصفةٍ خاصةٍ، هي اللعبة الأكثر شعبية والأكثر تعبئة حتى الآن، واحتلت كرة القدم المرتبة الأولى من حيث الأهمية والشعبية ونسب المشاهدة والمتابعة، فلا يمكن لأي رياضة أخرى أن تتحدى هيمنتها، سواءً في العروض أم الممارسات، ونسب المشاركة فيها.

كرة القدم، ولدت بمدارس إنجلترا قبل أن تنتشر داخل كل هياكل المجتمع الإنجليزي تدريجيًّا، وأصبحت الرياضة المفضلة للطبقة العاملة والمتوسطة الإنجليزية، (في حين أن رياضة الرجبي، أو كرة القدم الأمريكية ستصبح لعبة النخبة)، كرة القدم أصبحت الرياضة الشعبية، منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، وأصبحت أحد رموز الثقافة العمالية، منذ ذلك الحين، ثم انتشرت بسرعة في كل دول العالم (مع استثناءين ملحوظين: الولايات المتحدة والهند).

ستجد كرة القدم عند كل مناقشة تجلب الحماس والفرح، والجدال، إنها رابط اجتماعي قوي، تهم كل الفئات العمرية لأي مجتمع، وقد يتجلى رابطها الاجتماعي في رابطات المشجعين الذين يجدون في مدرجات الملاعب ملاذًا للهروب من القيود الاجتماعية والسياسية المفروضة عليهم في الحياة العادية التي تخضع لقيود قانونية وأعراف اجتماعية لا يمكن الفكاك منها بسهولة إلا في مدرجات الملاعب، وهذا ما عبر عليه الكاتب ألبير كامو بقوله: «لا يوجد مكان في العالم يكون فيه الإنسان أكثر سعادة من ملعب كرة قدم».

كرة القدم والسياسة نقاط الالتقاء:

هل يمكن لكرة القدم أن تكون قوة سياسية لا يستهان بها؟ هل يمكن لكرة القدم أن يكون لها القدرة على إنهاء حرب أو اصلاح خلل وظيفي في دولةٍ ما؟ في كل الحالات يمكن استغلال كرة القدم في جلب الانتباه لقضية ما أو الترويج لقضية رأي عام لا يتحدث عنها الاعلام كثيرًا.

توصف الرياضة بشكل عام بأنها مجال المواجهات الجسدية والاحتكاك البدني، وتوصف السياسة بأنه مجال التصادم الفكري والأيديولوجي، ومجال المواجهة فيما يخص البرامج الانتخابية والأفكار التي تسعى لإقناع مجموع الجمهور بأفضلية كل واحد من المتنافسين.

وكثيرًا ما كانت الأحداث الرياضية على غرار بطولة كأس العالم لكرة القدم، أو الألعاب الأولمبية هو حدث عالمي يسترعي انتباه كل العالم حتى الذين لا تستهويهم الرياضة، وكرة القدم، وتتضمن هذه الأخيرة كل الأبعاد الحياتية للإنسان، ففيها المرح والاجتماع والسياسة، والاقتصاد، والثقافة والتكنولوجيا، كرة القدم كاشفة عن حالة المجتمعات في هذا الزمن.

من جهةٍ أخرى ففي الرياضة وكرة القدم خاصةً هناك فائز ومنهزم، وفي المواعيد الانتخابية هناك كذلك حزب فائز وآخر خاسر ومنهزم، ففي المجال الأول، مجال كرة القدم أو الرياضة بصفة عامة، من يحدد الفائز هو عامل الكفاءة والقدرة البدنية على تجاوز الخصم، وهنا سيكون الجمهور متفرجًا ومشجعًا، ولكن لا يمكنه تحديد نتيجة اللقاء بصفة قطعية.

وفي السياسة المحدد هو مدى مطابقة البرامج لرغبات المنتخبين، ومدى ملائمة الأفكار والأيديولوجيات مع أفكار وأيديولوجيات الجماهير، وهنا الجمهور هو المنتخبون، وفي حالة السياسة المنتخبون، يحددون من هو الفائز.

السياسة تستغل كرة القدم في الترويج لأهدافها وطموحاتها، فقد أدى النجاح السلمي للمباراة الأمريكية الإيرانية (1-2) في مونديال 1998 إلى تسريع عملية التقارب الدبلوماسي بين أمريكا برئاسة كلينتون وإيران كما ساعد تنظيم منافسات كأس أفريقيا للأمم بانتظام، في توحيد الشعوب حول دولها، أي توحيد كل دولة أفريقية داخليًّا من جهة، وساعدت بشكل عام في توحيد القارة الأفريقية.

وتوجد نماذج كثيرة بالعالم لذلك الاستغلال لكرة القدم في السياسة، فقد استغلت من طرف الأنظمة السياسية التي توصف بأنها ديكتاتورية فمثلا موسوليني الذي كان يستغل نجاحات فريقه ، للترويج لنفسه ولسياساته،

والشيء نفسه استغلت كرة القدم في البلدان التي توصف بأنها ديمقراطية، وكمثال على هذا ما فعله برنارد تابي (الرئيس السابق لفريق أولمبيك مارسيليا)، والذي استغل نجاحات (OM) في خدمة طموحاته السياسية وريادة الأعمال في فرنسا.

نموذج لتقارب السياسة مع كرة القدم هو تلك المباراة التي جرت بين فرنسا والجزائر عام 2001، والتي تم توقيفها قبل وقتها النهائي، بعدما اقتحم متفرجون جزائريون الملعب، والمقابلة كانت تقدم رمزية تاريخية تمثلت في السعي للصلح وسعي لقلب الصفحة، صفحة الماضي الأليم الذي تسببت فيه فرنسا.

لكن نية المصالحة لم تكن كذلك عند الفرنسيين الذين أرادوا إعادة تذكير الجزائريين بتفوقهم وعلو كعبهم على الجزائريين، فرمزية فرنسا المنتصرة تعني استمرارية التفوق الفرنسي وتفوق القوة الفرنسية أمام الجزائر.

البدايات الأولى لكرة القدم كانت مجتمعية، والتاريخ البريطاني لكرة القدم، يوضح ذلك، فقد كانت كرة القدم في بريطانيا بداية تدور داخل طبقة العمال البسطاء، وبعد ذلك أخذت منحنى آخر، بحيث سمح للطبقة العاملة الشغيلة أن تتقدم في السلم الاجتماعي، مما جعل السياسة تدخل على الخط مستغلة تلك التحولات لصالح الترويج السياسي، أو التوظيف السياسي.

من جهة أخرى، فكرة القدم تصنع التوترات الاجتماعية لتلتقطها التوترات السياسية، وواضح هذا في تفاعلات التحديث والعولمة، وعمليات بناء الهويات الجماعية، وأنماط تدخل الدولة في المجتمع لحل مشكلات اجتماعية، أو إصلاح أعراف ومسارات، وقضية الهوليكنز البريطانيين خير دليل في هذا السياق.

ولا عجب في أن السياسة تدخلت، لتصنع من كرة القدم أحد اهتمامات السياسة العامة في كل بلدان المعمورة، من حيث القدرات التوزيعية للدولة، التي تسعى لتنشيط اللعبة لصالح محاربة كل الآفات الاجتماعية والاندماج الاجتماعي، أو من حيث القدرات الرمزية لزيادة قوة الدولة وهيبتها وزيادة قوة شخصيتها المعنوية.