كيف سرق الأهلي الكأس الحادية عشرة من الوداد المغربي؟

لندن ـ «القدس العربي»: إنه في يوم الحادي عشر من حزيران/يونيو 2023 وقف كاتب التاريخ أمام بوابات «مركب محمد الخامس» بالعاصمة الاقتصادية المغربية الدار البيضاء للعام الثالث على التوالي، ليكون شاهد عيان على عودة النادي الأهلي إلى القاهرة بكأس دوري الأبطال للمرة الثانية من نفس الملعب، والحادية عشرة في تاريخه، بعد تعادله الإيجابي مع صاحب الأرض وداد الأمة بهدف للكل، في موقعة إياب نهائي أهم وأعرق كؤوس الماما أفريكا على مستوى الأندية.

بداية ودادية مثالية

بدا واضحا منذ إطلاق صافرة موقعة الأحد الماضي، أن المدرب البلجيكي فان دير بروك، قرأ المباراة وحضر لها على أكمل وجه، وشاهدنا تفوق فريقه على الضيوف في أول 25 دقيقة، كأن الوداد بدأ الإياب من حيث انتهى في ذهاب ملعب «القاهرة الدولي» الذي انتهى بفوز الشياطين الحمر بهدفين لهدف، باستحواذ إيجابي وتهديد مستمر على مرمى الحارس محمد الشناوي، خاصة في عمق نقطة ضعف الدفاع الأحمر، باستغلال فارق السرعات بين أوناجم وأيوب العملود وبين المخضرم التونسي علي معلول، حتى أن لغة الأرقام، تُخبرنا أن نسبة الهجوم الودادي من الجهة اليمنى وصل لـ52 في المئة على مدار الشوط الأول، مقابل 21 في المئة عن طريق اختراقات الوسط و26 في المئة من محاولات الجانب الأيسر، وكما جاء هدف النجاة في عاصمة الفراعنة من هجمة سريعة من الجهة المفضلة، جاء أيضا هدف ملامسة الكأس الرابعة في تاريخ النادي من نفس الجهة، بعد سلسلة من المحاولات والمخالفات في جهة المغلوب على أمره معلول، واحدة منهم خدعت حامي عرين الفراعنة وسكنت شباكه عند الدقيقة 27 كأفضل سيناريو كان ينتظره الجمهور المغربي، ليس فقط لأخذ الأسبقية والتفوق النفسي على كبير القارة السمراء، بل أيضا لتكرار ما حدث في نهائي المباراة الواحدة العام الماضي، الذي قتله الوداد بثنائية زهير المترجي في أول 48 دقيقة، لكن ما حدث على أرض الواقع، انقلبت الأمور رأسا على عقب في الشوط الثاني.

هدية لا تُقدر بثمن

اتفق أغلب النقاد والمتابعين، أن منعرج المباراة الحقيقي، كان في سوء تقدير الجمهور الودادي للموقف، والإشارة إلى ما حدث في آخر 25 دقيقة، من احتفالات بالشماريخ والألعاب النارية، التي تسببت في إيقاف المباراة لأكثر من 5 دقائق، علما بأن فريقهم كان يسير بخطى ثابتة نحو الاحتفاظ باللقب، بتفوق نفسي وبدني هائل على الفريق الأهلاوي، بدون مبالغة وباعتراف كبار مشجعي النادي الأهلي، كانوا ينتظرون استقبال الهدف الثاني، بسبب الحالة غير المبشرة التي كان عليها رجال العجوز السويسري مارسيل كولر في أول 70 دقيقة، وفي رواية أخرى، في الانقلاب الأحمر بعد الاحتفال الجماهيري المبكر باللقب، وشاهدنا التأثير الفوري لتغيير صاحب الهدف الأغلى في تاريخ النادي المصري محمد مجدي أفشة، متقمصا دور المحامي عن علولو، بوقوفه كرأس مثلث بجانب حمدي فتحي، لغلق كل الطرق التي تؤدي إلى مرمى الشناوي من الجهة اليسرى، وهذا تسبب في اختفاء موقف لاعب ضد لاعب على معلول، ما جعل فريق المدرب فان دير بروك، يحول غاراته إلى جهة محمد هاني وزولا في الجهة اليمنى، لكن من سوء طالع المدرب المغربي ورجاله، أن محاولات العودة إلى المستوى الفردي والجماعي حتى الدقيقة 70 جاءت بعد فوات الأوان، بالأحرى بعد إعطاء كولر ورجاله فرصة العمر لدخول المباراة واستعادة تركيزهم مرة أخرى، ولعلنا شاهدنا بداية الثورة، بالومضات المرعبة على الدفاع الودادي، بعد خروج حسين الشحات، الذي كان في أسوأ حالاته منذ فترة، بسبب عصبيته الزائدة، التي جعلت الأهلي يبدو وكأنه يلعب بعشرة لاعبين على مدار أكثر من ساعة، وما زاد الطين بلة، أن مدرب الوداد، قام بإشراك المترجي في وقت حساس، رغم الشكوك وعلامات الاستفهام الكثيرة حول جاهزيته ومدى تعافيه من الإصابة، لتنقلب الآية، ويصبح الوداد الطرف الأقل والأضعف على المستوى البدني، وذلك تزامنا مع صدمة استقبال هدف محمد عبد المنعم الهوليودي.

الخبرة و«الكلاحة»

في اللحظة، التي خيم فيها الصمت على جنبات قلعة الدار البيضاء، أدرك الصغير قبل الكبير من عشاق النادي الودادي، أن حلم الاحتفاظ بالأمير الأسمر قد تبخر بنسبة 100 في المئة، ربما لو كان المنافس أي فريق آخر في القارة، مهما كان اسمه أو جودته أو تنظيمه داخل الملعب، غير الأهلي المصري، لما تسلل اليأس في نفس المشجعين قبل اللاعبين، والدليل على ذلك، ردة فعل نفس اللاعبين بعد تأخرهم مرتين أمام صن داونز في عقر داره في إياب نصف النهائي، والحديث عن الفريق الذي كان المرشح رقم 1 للظفر بهذه النسخة لعصبة الأبطال الأفارقة، وأيضا الذي قهر العملاق الأهلاوي بخماسية مقابل اثنين في دور المجموعات، مع ذلك، لم يشعر أحد، بتأثر خليل جبران ورفاقه على المستوى النفسي، أو انهيارهم ذهنيا بعد استقبال الهدف الأول ثم الثاني، بل كان يحدث العكس، وفي بعض المشاهد، كانوا قاب قوسين أو أدنى من قتل المباراة إكلينيكيا برصاصة الرحمة الثالثة، لولا تعملق الحارس الجنوب أفريقي، بينما أمام نادي القرن، يكفي إلقاء نظرة سريعة على ملامح اللاعبين والجماهير، بعد احتفال ابن قرية شرويدة التابعة لمدينة الزقازيق، بلوحته الإبداعية في شباك يوسف المطيع، التي يعتقد البعض أنها جاءت بالصدفة أو ضربة حظ، لكن بمتابعة أهدافه في آخر 18 شهرا، بالأحرى منذ عودته من الإعارة في شتاء 2021 سنلاحظ تميزه وبراعته في سرقة المدافعين وحراس المرمى، بهذه الطريقة والذكاء في الارتقاء وتوجيه الكرة بالرأس في المرمى، وسرعان ما شاهدنا أسباب استسلام الجمهور المغربي ولاعبي الوداد بعد استقبال الهدف المباغت، من خلال الطريقة التي تفنن فيها معلول ورفاقه في استنزاف الدقائق المتبقية في المباراة، ما تُعرف بين مشجعي الأهلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بـ «الكلاحة» التي ترتكز على فكرة استفزاز المنافس وإخراج لاعبيه عن شعورهم، تارة بادعاء الإصابة، لقتل رتم المباراة، وتارة أخرى بتسكع اللاعب أثناء استبداله، وحيل أخرى بهدف إضاعة الوقت بشكل سلبي، ما يتسبب في إحباط معنويات لاعبي الفريق المنافس، والعكس للمستفيد من ضياع الوقت، تماما كما شاهدنا في الدقائق الأخيرة، التي عانى خلالها الفريق المغربي من أجل الاقتراب من المناطق الدفاعية المحظورة أمام الشناوي، بينما لو لا رعونة البدلاء أحمد عبد القادر ومحمد شريف من جانب، وتألق حارس الوداد من جانب آخر، لانتهى اللقاء بفوز العملاق القاهري، المتمرس على هكذا مواعيد.

عجائب نادي القرن

لك عزيزي القارئ أن تُطلق العنان لنفسك وتأخذ نفسا عميقا، لتبدأ في إعادة حساباتك وأفكارك لمفهوم الحظ أو التوفيق في الحياة عموما وكرة القدم بالأخص، أولا، الأهلي لم يكن كباقي خصومه في دوري الأبطال في أوطانهم، ولا حتى الوصيف في جدول الترتيب العام لأندية الدوري المصري الموسم الماضي، وهذا وفقا لقواعد ولوائح الاتحاد الأفريقي، لا يحق له المشاركة في هذه البطولة، التي تنص على مشاركة أبطال كل دوري في القارة، بجانب الوصيف لأصحاب الدوريات الكبرى، مع ذلك، تفاجأ الجميع بمشاركته على حساب نادي بيراميدز، الذي ختم نسخة الدوري المحلي 2021-2022 في المركز الثاني خلف الزمالك، ثانيا المعجزة التي ستبقى عالقة في الأذهان لفترات طويلة، بصعوده الدرامي إلى مراحل خروج المغلوب، بعدما كان على بعد خطوة واحدة من الخروج المبكر، لولا سوء حظ لاعب الهلال السوداني أطهر الطاهر، الذي أهدر ركلة جزاء في الدقيقة 90 أمام صن داونز، كانت كفيلة بإرسال الوحش النائم خارج البطولة قبل الجولة الختامية لدور المجموعات، ليتحول بعد ذلك إلى النسخة المرعبة التي رسمها لنفسه على مدار أجيال، كفريق متمرس على الفوز ببطولته المفضلة خارج الوطن، بذكريات الأساطير الأوائل في هذه المسابقة الرئيس الحالي الكابتن محمود الخطيب، ووحش أفريقيا إكرامي الكبير، والجناح الطائر مصطفى عبدو، وباقي الأسماء التي كتبت النجمة الأولى من أرض أشانتي كوتوكو في ثمانينات القرن الماضي، وصولا لقذيفة محمد أبو تريكة الخالدة في شباك النادي الصفاقسي في قلب «رادس» عام 2006 وأيضا تخطي الترجي التونسي على نفس الملعب في العام 2012 وبينهما فعلها نفس الجيل في أوج لحظاتهم تحت قيادة البرتغالي مانويل جوزيه، باقتناص الكأس من قلب ملعب القطن الكاميروني، ومؤخرا وتحديدا في آخر 3 سنوات، عاد من «مركب محمد الخامس» مرتين بالكأس، الأولى عام 2021 بانتصار اقتصادي على كايزر تشيفز الجنوب أفريقي بثلاثية بأقل تقدير، والثانية الأهم بأخذ الثأر من وداد الأمة بعد خسارة اللقب أمامه مرتين عامي 2017 والعام الماضي، ويقولون في ملعب «مختار التتش» بالجزيرة النيلية، إن كلمة السر تكمن «روح الفانلة الحمراء» التي تحول اللاعبين إلى وحوش كاسرة كلما اقتربت الدقيقة 90. لكن بالنسبة للنقاد والمتابعين المحايدين، فهي شخصية وهيبة نادي القرن الماضي، التي جعلته يبسط سيطرته على القارة السمراء بنفس الكاريزما التي يتعامل بها ريال مدريد مع ضحاياه في دوري أبطال أوروبا، وأنت عزيزي القارئ، ما رأيك في ظاهرة الأهلي وشخصيته المخيفة في عصبة الأبطال؟ وهل حقا سرق الكأس من الوداد أم كان الطرف الأحق؟ ننتظر مشاركتكم.

ANAHDA