*لا تقلق من المستقبل*

*لا تقلق من المستقبل*

مهما كانت ظروفنا ولله الحمد أغلبنا يعش اليوم في رغد من العيش ونعيم الدنيا ورفاهية الحياة، لكن بدرجات، وهذه سنة الحياة، (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)، لكن البعض تجده يشتكي من الظروف والأحوال وقلة الدخل وزيادة المصاريف، وهذا هو حال الدنيا، لا تدوم على حال..
لكن المشكلة أن ينظر أحدنا إلى من هو أعلى منه ولا ينظر إلى من هو أدنى منه، ينظر إلى من يملك يعض النعم ولا ينظر إلى النعم التي تحوم حوله.

لو أحدنا يقرأ التاريخ لو وجد من سبقونا بعشرات السنين وقد خلت حياتهم من الرفاهية وقلة الدخل والظروف الصعبة، نعم ذاك الزمان ليس كزماننا، وأولئك ما عاشوا بأفضل حال من حالنا، لكن فيصلنا انهم آمنوا أن القناعة مناعة وصون للنفس من الهوى والردى وأن السعادة لا يدركها في الحياة إلا من ارتضى بعيشه..
من هذه المقدمة أنقل لكم ما حكته إحدى الجدات قائلةً: كنّا قديمًا نطبخ على الحطب ولا يوجد بديل عنْه، حيث كان الجميع يسارع لجمع الحطب القريب من القرية حتى نفد كل الحطب القريب فاضطر الناس للمشي مسافات ليجلبوا مايجدوا في طريقهم من حطب وأعواد، وقد سمعت ذات يومٍ أمي تحدث أبي بصوتٍ حزين وقلبٍ مشفق: كيف سيطبخُ أحفادنا.؟!

فحين يكبرون سيكون جميع الحطب قد نفذ من حولهم.! ماذا سيفعلون؟ ومن أين لهم ما يوقدون به؟
فأجاب والدي: لا تقلقي رزقهم على الله لن يضيعهم، فهل كانت تصورت هذه الجدة أن أحفادها هم من أشفق عليها بجمع الحطب!! بينما هم اليوم يطبخون بالغاز والكهرباء دون جهد أو تعب.. انتهت القصة ولم ينتهِ الكلام..
هذه الحكاية تبعث الأمل في قلوب الكثيرين وتقول لهم: لا تقلق من المستقبل، وهي رسالة لكل الآباء الذين يقلقون على مستقبل أبنائهم، ولا يعلمون ما الذي ينتظرهم؟ لكن على النقيض من كان متفائلًا وراضي بحاله لا يخاف من المستقبل، ولا يتوجس من كبده ومعاناته، فقد تكون هذه المعاناة هي مخاض لانبزاغ فجر جديد ومليء بالخير واليسر.

إلى من يفكر في هذه اللحظة التي يعيش فيها من تعب ونكد وظروف والحياة صعبة، لن تتوقف الحياة عند حد ما أو أن الله يبطل ويعطل نواميسه لزمن من الازمان، فالتراكمية المعرفية هي إحدى سنن الله في كونه، والتقدم والتحضر هما عنوان كل حقبة، فالقادم دومًا جميل، والحياة مستمرة بضنكاها وانفراجاتها، وما تراه من خلال منظورك الراهن صعب، قد يكون في المستقبل بسيطًا أو غير موجود أصلًا..
فما علينا سوى أن نعمل ونجد ونجتهد ونستعد، وما النتائج إلا على رب لطيف رحيم بعبادة، والمستقبل دومًا في علم الله جل وعلا، وهكذا هي الأيام يداولها الله بين الناس، قال تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا).

*ترويقة:*
لا شك أن التفكير في المستقبل والخوف منه يمنع الإنسان من ممارسة حياته بشكل طبيعي؛ وقد يدمرها، ويجعل منها حياة كئيبة ورتيبة ومملة؛ فصاحب الخوف من المستقبل يخشى دومًا أن تتغير الأحوال إلى الأسوأ، فتراه يخشى الفقر ولو كان غنيًّا، ويتوقع المرض ولو كان صحيحًا، فلا تقلق من ذلك المستقبل الذي يقلقك، ربما لن تكون فيه..
وهناك قاعدتين للسكينة وراحة البال: الأولى: “لا تقلق بشأن الأمور التافهة”، والقاعدة الثانية: “وكل الأمور تافهة”.

*ومضة:*
منذ زمن كلما حاصرني العسر من كل الجهات، استبشر خيرًا، فكلما ضاقت انفرجت، وأدرك أن اليسر يختبىء في زوايا قريبة مني، إيمانًا مني بقوله تعالى:﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾، وقوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، فابحثوا عن اليسر تحت أكوام العسر، فالعسر لايأتي إلا برفقة اليسر، وإن تقدمه بمراحل زمنية.

*رابط:*

✒️ صَالِح الرِّيمِي

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*