لماذا هذه المطارق على مبادرة الشيخ ابو حفص؟

الكاتب المغربي : عبد الله لعماري

هوت مطارق كثيرة في الآونة الأخيرة،على مبادرات الشيخ ابو حفص،والتي اقتحم بها المجال السياسي والفكري والإعلامي، مطارق اتخذت لها صورة النقد تارة، وتارة أخرى كانت هيجانا من التشهير والقدح والطعن بغير علم ولاتثبت ولاروية، ومن غير التماس عذر،ولا إيلاء في مجتهد إلا،ولا ذمة،ولا وشيجة.

وإن تعجب فعجب أن بعض هذه الطعنات سددها أولي القربى من أهل الدين والعلم، وهم يغرزونها في الظهر ملفوفة بدعاوى النصيحة ،ومزاعم الحب في الله ،ولعمري أي نصيحة وأي حب في الله، هذا الذي يأتي من أهل العلم والدين ،الذين يعرفون أكثر من غيرهم،وفي قراطيس العلم والأدب،أن النشر الاعلامي المفتوح للنصيحة على الملإ،فضح وتقريع وتشهير،وتسفيه قد يغلط العامة من الناس،ويلبس على البسطاء الحقائق والقرائن والملابسات،فيصبح العالم الرمز في أعينهم مذموما مدحورا.

يجدر القول،أن الراشدين من أهل العلم والدين،والنابغين في فهم الأهداف العميقة والدقيقة للحركة الإسلامية بالمغرب،يدركون شديد الإدراك، أن المغرب إنما حافظ على نسقه الديني والمذهبي والسياسي الموحد،فبفضل الأواصر التاريخية التي جعلت من الأمة المغربية،صورة للعائلة الواحدة،التي تمازجت فيها الأنساب والجذور، واختلطت فيها الدماء في معارك وملاحم الذود عن بيضة البلاد ووحدتها،والدفاع عن دينها وحوزتها وحياضها،ومن ثم فإن المنهج الرشيد،لهؤلاء الذين يصدرون عن نضج في رؤية العلم والدين،هو الحفاظ على هذا التقارب والتماسك، باعتبار الحق المشترك لأبناء الأمة المغربية، حقا للجميع دون تمييز،في الانتساب للأ صول التاريخية المشتركة،والارتباط بالهوية الدينية والوطنية الموحدة.

والشيخ أبو حفص وهو يختار سبيل المشاركة والمخالطة والانفتاح على جميع المكونات والحساسيات،إنما يختار المنهجية التي تضطلع بها رسالة العلم والدين،في غير ما تفريق بين المغاربة،ووصم للبعض بالخروج عن الدين،ووضعهم في خانة أعداء الاسلام،ووسم البعض بسيماء الحفظة للدين والسدنة للإسلام.

وهو المنهج الذي يستقي من درب الدعاة الذين يتأسون بطريقة الأنبياء،في الحكمة والرحمة والهداية والموعظة والمجادلة الحسنة،المنهج الذي يتوخى قبول الآخر المخالف في الرأي،مادام هذا الآخر لم يعلن خروجه من الملة والدين، ومن الهوية الجامعة للمغاربة ،خروجا معلنا وصريحا و مجاهرا.ومن ثم فالشيخ أبوحفص وهويشغل المنابر الإعلامية حضورا فكريا،ويغشى المنتديات الثقافية،متى مادعي لها،مشاركا برأيه واجتهاداته،فإنه لايستحضر بتاتا ،خلفية أن الذين يحضرهم أو يحاضرهم،هم ممن يشنون الحرب على الإسلام أو يكنون العداء للدين والتدين،بقدر ماينظر إلى الأفكار المخالفة،من الزاوية التى يعتبرها أصحابها هم أنفسهم قراأت وتأويلات للمفاهيم الدينية،يرون لأنفسهم الحق والحرية ،في عرضها على النحو الذي قد يتناقض ويتعارض مع قراأت بعض الإسلاميين.

على أن الشيخ أبو حفص،أو غيره ممن على شاكلته،وهو يعرض أفكاره ونظرياته فإنما يعرضها على خلفية مايعتقده ويؤمن به ويراه صوابا وزبدة ماوصل إليه نظره، دون أن يحابي أحدا،أو يترضى جهة،أويتزلف لسلطان ما سوى سلطان الضمير ووازع الحقيقة،ومصلحة الأمة.

ومن ثم فإن اشتغاله كإعلامي صحفي أو باحث مفكر في منبر إعلامي،مثل جريدة ٱخر ساعة أو مايماثلها وماهو على منوالها، هو اشتغال سليم يمارسه باستقلالية الشخصية،وحرية الرأي،ولا يلاقي من رعاة هذه المنابر الإعلامية سوى التبجيل البليغ والتوقير العظيم الذي يليق بعالم الدين،في مقابل ما يلاقيه من صنوانه رجال العلم والدين من همز ولمز وإعنات وتشويه.

وقد اعتبرت بعض المراجع العلمية اشتغال الشيخ أبو حفص في جريدة ٱخر ساعة خطيئة غير مغتفرة،بالرغم من أن أصحاب الجريدة اعلنوها منبرا مشرعا في وجه كل الٱراء المختلفة،وليست مصطبغة باللون السياسي الذي يحملونه.ولعمري أن هذا القول غير سليم،وهو قاس حتى على أصحابه، الذين لو احتكموا إليه معيارا للتعامل والاشتغال لأوقع الكثير من أهل الرأي والعلم والدين والسياسة في دائرة الشبهة والاتهام،فماأكثر مايشتغل هؤلاء وأولئك ويتكسبون بالثروات الطائلة من المؤسسات والأنظمة والحكومات وطنية أو دولية،ماإن المرجعيات الدينية الحدية تراها مؤسسات باطلة وأنظمة باغية على شعوبها، جائرة على شرع الله في زعمهم، وماإن هذه المرجعيات ترى الأموال الهائلة التي يتقاضاها أولوا العلم والفكر والدين ،ويحثونها حثوا من هذه الجهات ،تراها سحتا ونارا في البطون،وبيعا ذميما للذمم.

وإذن فما هو معيار الوقوع في الخطيئة من عدمه؟ وإذا كان الأمر كذلك،فهل يطيق القائلون بذلك أن يفاصلوا المجتمع،ويقاطعوا مؤسساته ويترفعوا عن مكاسب العلم والفكر والدين،ويتزهدوا في الدولار الذي ينثره احتراف العلم والفكر والدين،وأن يرتفعوا الى قمم الجبال لرعي بعض الشويهات،اتقاء للشبهات واحتراسا من الخطايا.

ولكن الشيخ أبو حفص ،الذي يستنكف أن يفاصل المجتمع،يربأ بنفسه أن يقاطع أبناء وطنه،ويعتبر كمال الرشد في التعايش والمعايشة مع الاختلاف والتنوع.وليس من الحرج او التأثم في شيء ان يتكسب العالم أو المفكر عيشه الحلال من صنعة القلم وحرفة الكتابة،مادام القلم حر،والكتابة غير مسخرة.

ومن قبل ضرب الشهيد سيد قطب المثل البليغ لمن يخطئون الناس،ويتهمون النوايا،فقد تعاقد مع مؤسسة ناشرة من أجل تفسير القرأن،وهي لا تنتمي الى الحركة الإسلامية التي كان هو من أبرز روا دها، تعاقد معها وهو عبقري نظرية المفاصلة والتميز، وسيد التزهد والترفع عن حطام الدنيا،وقد أكمل تعاقده في السجن ،بعدما سمح بذلك سجانه جمال عبد الناصر، الذي كانت لتلك المؤسسة الناشرة حظوة عنده ولا يرد لها طلبا.

وقد كان لذلك المنتوج الفكري والدعوي الناجم عن هذا التعاقد وهو في ظلال القرأن اثره الكبير في تحويل مسار العالم الإسلامي،بل مسار التاريخ الإنساني،لأن اثاره هي التي وسعت امتدادات الحركة الإسلامية، وعندما أفرج عنه رحمه الله بعد سجن عشر سنوات،وهو على أبواب الشهادة،وجد أن إذاعة المملكة العربية السعودية كانت تذيع حلقات من تفسيره في ظلال القرأن، فلم يتحرج أن يتسلم منها تعويضاته عن حقوق التأليف التي يستحقها. فهل كان يرى الشهيد سيد قطب وهو عملاق الموقف ونابغة الفكر الإسلامي ومنظر قاعدة التميز والمفاصلة،ورائد منهج الجيل القرأني الفريد،هل كان يرى التعامل مع مؤسسة موالية لجمال عبد الناصر الذي كان يعده طاغوتا، أو التعامل مع إذاعة نظام عربي،اجتراحا لخطايا جازف بالسقوط فيها،أم أن الرشد رشد،والغي غي بين واضح؟

وذلك هو منهج الشيخ ابو حفص العالم المتنور الذي لايقع في خطايا التفريق بين من يمنحه صكوك الغفران وبين من يحرمه منها