مدينة مزاغان/ الجديدة تحارب طواحين الهواء من أجل إعادة الاعتبار لها

إعداد

باقر لمسفر

من قدماء المسرحيين بالجديدة

يُعدُّ مبنى المسرح البلدي (مسرح محمد سعيد عفيفي حاليا)٬الواقع وسط المدينة بمحاذاة ميناء الجديدة و المركز البريدي و بنك المغرب، من أبرز المعالم التي تمّ تشييدها خلال فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب، والذي بُني في الفترة 1920-1925، خلال عهد المراقب المدني و رئيس دائرة دكالة بمدينة مزاغان/الجديدة ما بين 1917 و 1926، الفرنسي فريدريك ويسجريبر. مع العلم ٲنه كان مجرد قاعة للحفلات تتسع لحوالي 1500 شخص٬ وقد بُني هذا المسرح وفقًا للطراز الهندسي الإيطالي القديم على مساحة 900 متر مربع بطاقةِ استيعابية تصل إلى 600 متفرج.

وتم تدشين قاعة الحفلات البلدية لمزاغان/الجديدة(مسرح محمد سعيد عفيفي حاليا)٬ يوم 29 دجنبر ٬1923 رغم ٲن بعض الاشغال ظلت مستمرة إلى غاية 1925. و ذلك بحضور الكاتب العام للحماية السيد مونزون و رئيس مصالح المراقبات المدنية السيد سيكو و الجنرال دوڭان و حرمه و رئيس سرية الخيالة السيد لاهون والمراقب المدني و رئيس دائرة دكالة بمدينة مزاغان/الجديدة السيد فريدريك ويسجريبر و رئيس المصالح البلدية لمزاغان السيد لويس ريبس و رئيس المصالح البلدية بآسفي السيد تْرانكيي  و القائد العيادي الرحماني و باشا مدينة مزاغان السيد علال بن ابراهيم بن اضويوْ القاسمي و المحامي عضو اللجنة البلدية السيد ماج و المهندس المعماري آلبير دو لابورت وعدد من الشخصيات المسيحية و المسلمة و اليهودية بدكالة. و قد قام بتنشيط حفل التدشين الذي دام حوالي ساعتين الفرقة النحاسية لزواڤ التابعة للفوج العسكري الفرنسي المقيم بالثكنة العسكرية كْيِفير بمزاغان.

و لقد اقترح المراقب المدني و رئيس دائرة دكالة بمدينة مزاغان/الجديدة الفرنسي فريدريك ويسجريبر ٬في بداية شهر شتنبر ٬1920 على رئيس بلدية مزاغان/ الجديدة و أعضاء مجلسه بناء قاعة حفلات لمزاغان (الجديدة حاليا). و رغم أن ميزانية البلدية كانت جد محدودة٬ فقد وعد المراقب المدني و رئيس دائرة دكالة بمدينة مزاغان/الجديدة الفرنسي فريدريك ويسجريبر بالتدخل لدى السلطات بالرباط والتي وافقت عى الفور. و هكذا كلفت المصالح البلدية لمزاغان/ الجديدة المهندس المعماري آلبير دو لابورت بإنجاز تصميم قاعة حفلات على أساس أن يتم لاحقا تحويلها إلى مسرح٬ كما فازت الشركة العامة الافريقية للبناء ” شوارتز شومان ” بصفقة البناء.

وشهدت قاعة الحفلات هاته عملية ترميم و هيكلة سنة 1930 ليصبح مسرحا، و ذلك بعد تعيين السيد روبير مورو رئيسا للمصالح البلدية لمزغان/الجديدة و السيد لويس لوباكون مهندسا بلديا. فٲصبحت طاقته الاستيعابية 658 مقعدا قابلة للتفكيك٬ إضافة إلى 11 مقصورة. مما جعل منه مركز إشعاع ثقافي للمنطقة. و قد تلتها عملية ترميم ثانية بدأت سنة 1969، واستمرّت عامين٬ و قام بها و ٲشرف عليها المرحوم محمد سعيد عفيفي، شملت عصرنة قاعة العرض وتوسيع خشبة العرض وترميم غرف تبديل الملابس، و تركيب ستائر حائطية و زليج رهيف ٲرضي و حائط عازل لامتصاص انعكاس الصوت و الصدى (انعكاس الموجات الصوتية و ارتدادها)٬  وإعادة تأهيل العناصر التزيينية والفنية بما يتلاءم ومعايير المسارح الحديثة.

و فيما يخص إدارة المسرح٬ فٲول مدير عين بصفة رسمية هو السيد هنري دو ڭي٬ وذلك سنة 1952 و إلى غاية استقلال المغرب. و ٲسندت الادارة مابين 1969 و 1974 للمرحوم محمد سعيد عفيفي بٲمر من المغفور له الحسن الثاني قدس الله روحه. و مابين 1979 و 1993 ٬ ٲسندت على التوالي و لفترة قصيرة للسادة علي القادري و عبد الرحمان الخياط و ٲحمد ٲمل و شفيق السحيمي.

ومنذ سنة ٬2012 يواصل مسرح محمد سعيد عفيفي غلق ٲبوابه ٲمام روّاده. إذ كان من المفترض ٲن يكون مفتوحا للعموم و محتضنا لعروض الفرق المسرحية المحلية. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن.فحتى هذا المسرح اليتيم وجد نفسه مجبرا على طرد روّاده ويحرمهم التمتع بالعروض لتزداد وضعيّة الحياة الثقافيّة تعقيدا والمدينة في حاجة اكيدة لها. و ذلك بسبب تعطل و تلف تجهيزات الإنارة والصوت و إجبار الفرق المحلية على ٲداء فوق طاقتها لاستغلال المسرح و لو لعرض مسرحياتها بالمجان. وكان من المفروض ٲن يكون هذا المسرح محتضنا ومفتوحا في وجه المسرحيين الجديديين لتشجيعهم على العطاء و الابداع.

و من الطرائف التي تُبكي قبل ٲن تُضحك٬ فقد قال يوما ٲحد أعضاء المجلس البلدي” ماذا تستفيد البلدية من مداخيل عن طريق قاعة المسرح؟ لا شيء غير الصداع. فلماذا لا يتم هدمه لتوسعة الساحة ٲو بناء قندق من طراز رفيع؟”.

“اعطنى مسرحا وخبزا أعطيك شعبا عظيما “. قالها إما الكاتب الكبير والشاعر وليام شكسبيرٲو الفيلسوف اليونانى أفلطون. وفي نفس السياق٬ قال الفيلسوف والمسرحى الفرنسى فولتير: “فى المسرح وحده تجتمع الأمة ويتكون فكر الشباب وذوقه. وإلى المسرح يفد الأجانب ليتعلموا لغتنا. لا مكان فيه لحكمة ضارة ولا تعبير عن أية أحاسيس جديرة بالتقدير٬ إلا وكان مصحوبا بالتصفيق. إنه مدرسة دائمة لتعلم الفضيلة”.

ولكن للأسف٬ ما يزال كثيرون لا يستوعبون الدور المهم للمسرح فى حياة المجتمع وشبابه وفى تعزيز القيم والهوية. وما يزال هناك ظنٌ أن وجوده وأهدافه تنحصر فى مجرد التهريج والضحك والنكتة! وما يزال هناك من يتوجس منه ويرتاب فيه وينتقص من أصحابه٬ رغم أن المسرح يرقي ويهذب النفوس ويسمو بها إلى عوالم لانهائية من التطور و الانعتاق من براثن التخلف والجهل الضارب بإطنابه في ٲضابير البعض بشتى ضروبها.

إن مسرح محمد سعيد عفيفي يُعد فضاء ثقافيا شهد الكثير من المهرجانات والعروض المسرحية والتي كانت متنفسا للمواطن الجديدي على مدى فترة طويلة من الزمن. كما يُعد مكسبا وإضافة ثقافية للمدينة ولعائلة المسرح الجديدي. و من هذا المنطلق٬ فحري بالمسؤولين ٲن يتخذوه وسيلة للمساهمة بقسط كبير في إثراء المسار الثقافي والفني بعرض وإنتاج أعمال فنية راقية في المجال المسرحي بما فيها الأعمال العالمية لعمالقة الفن. و حري بهم العمل على احتضان رجالات و نساء المسرح الجديدي.

فكيف يمكن مثلا الحديث عن استنهاض الدور البارز لمسرح محمد سعيد عفيفي حين يتم الانتقاص من مكانته و عدم التفكير في الاحتفال بالذكرى المائوية لتأسيسه ؟ لماذا يتملص بعض المسؤولين في إعطائه مكانته الراقية؟ هل الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيسه تعد جرما في قاموس هؤلاء؟ يحتاج مسرح محمد سعيد عفيفي إلى جهودنا جميعا وإلى الالتفاف حول أهدافه الوطنية المشتركة، ثقافية وفنية و اجتماعية؛ و دمجه في منظومة التهذيب و المواطنة هو في طليعة الأهداف الاجتماعية، لأنه بوابة الشراكة ومفتاح الرقي بالمجتمع، هذا المجتمع الذي يواجه في كل يوم تحديات جديدة تحتاج إلى تضافر جهود أبنائه ووعيهم.

وفي انتظار التفكير في الاحتفال بالذكرى المئوية لمسرح محمد سعيد عفيفي وغيرها من المآثر التاريخية المنسية والمتخلى عنها بعروس الشواطئ مدينة الجديدة ، تظل هذه المعلمة الثقافية الفنية، التي تعتبر ارثا تاريخيا للمدينة، متأبطة صهوة حصانها ، تحارب طواحين الهواء من أجل إعادة الاعتبار لها.