مصابات بالسيدا يصرخن: كفى متاجرة بحياتنا من أجل مراكمة الأموال!

 

 

 

أ.ب

اقتحمت جمعا من الأطباء والأخصائيين والإعلاميين دونما سابق إنذار، وبشكل مباغت تعالى صوتها من خلف الحاضرين .. لا تشبه الآخرين في مظهرهم ولا لغتهم! بلباس أسود لا يكشف سوى مقلتيها والشفتين، وقفت لتصرخ بأعلى صوتها داخل قاعة الفندق: “نحن مهمشون، ولا أحد يكترث بنا.. إننا نموت في صمت”، مضيفة بلغة حولت عدسات المصورين صوبها: “وزارة الصحة تخلت عنا وتركتنا نواجه الموت لوحدنا!”.

صرخة هذه المرأة المصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة، خلال لقاء نُظِّم بالدار البيضاء لإعلان حملة “سيداكسيون”، عرت المستور وجعلت الخوف من غياب العلاج من هذا الداء بالمستشفيات يدب في نفوس الحاضرين.

مواجهة الأسرة والسيدا

“رمتني الأسرة خارج المنزل، لكن المسؤولين كانوا أشد قسوة حين تركوني أواجه الموت وحيدة”، تروي كريمة-اسم مستعار- القاطنة بمدينة سطات رفقة ابنتها، قصتها مع فيروس السيدا، وكيف تعاني يومياً من أجل الحصول على العلاج.

تقول كريمة، التي احتجت على جمعية محاربة السيدا، وهي تتحدث لهسبريس: “مباشرة بعد وضعي ابنتي بثلاثة أشهر، والتي لم تصب بالداء ولله الحمد، لم أعد أتوصل بالدواء”، مضيفة: “يدعون محاربة الوصم والتمييز، لكن الواقع شيء آخر، لا أحد يكترث بنا، والوزارة تخلت عنا..منذ أكثر من سنتين لم نعد نتلقى العلاج”.

وبنبرة امتزج فيها الحزن بالغبن، حكت الطالبة الجامعية سابقا، تخصص قانون خاص، والتي وجدت نفسها منبوذة من طرف أسرتها بعد علمها بخبر إصابتها بالفيروس عن طريق علاقة جنسية: “أناشد جلالة الملك بأن يتدخل لإنقاذنا وعدم تركنا نموت هكذا”، مسترسلة بأن عوزها وعطالتها صعبا عليها التنقل من مدينة سطات إلى المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، ما يؤثر على مواعيدها وعدم حصولها على الدواء.

السيدة ذاتها، التي لا يعلم جيرانها ولا محيطها بالحي الذي تقطنه في مدينة سطات بأنها مصابة بالفيروس منذ ست سنوات، فقدت أملها في وزارة الصحة بسبب عدم تقديمها أي مساعدة لها، وقالت: “لم أعد أفكر في شيء سوى اللجوء إلى إحدى الدول الأوربية التي تهتم بالمواطن وتمنحه حق التطبيب والعلاج”.

مهاجرة تستغيث

سنة 2005 كانت سنة الجحيم بالنسبة إلى سعاد، ابنة مدينة خريبكة التي هاجرت إلى الديار الإيطالية وهي في ربيع عمرها بحثا عن حياة جديدة.. كانت المتعة والأمسيات الليلية وراء إصابتها بالفيروس الذي سيشكل نقطة تحول في حياتها، إذ أصيبت بسبب تعاطيها للحقن المخدرة هناك بالوباء الفتاك.

لم تجد سعاد، طريحة الفراش، وهي تروي لهسبريس قصتها المؤلمة، من خيار سوى العودة إلى أرض الوطن، علَّه يكون رؤوفا بها، لكنها تقول: “هيهات ثم هيهات، تحولت حياتي هنا إلى جحيم آخر”.

“أنا الآن طريحة الفراش بالمنزل، ولو لم أجد أختي وأسرتي بجانبي لما كنت أعرف مصيري بعدما تخلى عني الجميع”، تقول سعاد، ثم تضيف: “وزارة الصحة لا تمدنا سوى بدواء الفيروس، لكن الأدوية الأخرى نكون مضطرين لشرائها بأنفسنا وبمساعدة المحسنين لا غير”.

سعاد، المصابة أيضا بمرض السرطان، تُحمل وزارة الحسين الوردي المسؤولية، وتمني النفس بأن تعود إلى الديار الإيطالية للعلاج بعدما باتت استفادتها منه هنا أمرا شبه مستحيل.

وتقول سعاد عبر الهاتف: “ماذا لو لم أجد أسرتي التي تفهمت مرضي، ووجدت أختي التي تعتني بي؟ هل كنت سأرمى في الشارع طالما أن الجمعيات التي تدعي رعايتها للمصابين لا تهتم بحالتي؟!”، قبل أن تضيف: “يجب أن تخصص لنا الوزارة فضاء للاعتناء بنا مثل دور المسنين، فلا يعقل أن نظل عالة على أسرنا”.

غياب صندوق وطني

فاطمة، المصابة منذ بداية الألفية الثالثة، بعدما نُقل لها الداء عن طريق زوجها، وبعد تعايشها مع المرض، لا ترى أن حياتها أفضل من سابقاتها، رغم أن أبناءها الذين نجوا من الإصابة تعايشوا مع حالتها.

تتساءل فاطمة بحرقة وهي تتحدث إلى الجريدة: “لماذا لا يوجد صندوق وطني خاص بمعالجة المصابين؟ ولماذا تحظى فئة معينة بالدعم دون الآخرين؟”، لتضيف: “هناك من يجمع الأموال على حساب موتنا، والوزارة لا تتوفر على أي إستراتيجية لإنقاذ المصابين وتوعية المغاربة غير المصابين”.

وبحرقة تضيف المتحدثة نفسها: “هناك حالات كثيرة منا تقصد المستشفى للعلاج، لكن دون جدوى.. الوزارة تبتسم للمرضى حين توقع الاتفاقيات الدولية، وبمجرد الحصول على الملايير لا تلتفت إليهم”، قبل أن تكمل حديثها متسائلة: “ماذا قدم الوزير الحسين الوردي لنا كمصابين؟ أمثالنا في فلسطين يتلقون العلاج ونحن مع هذه الوزارة نموت يوميا”.

معاناة فاطمة اليومية مع الداء الفتاك، ونظرة المجتمع، دفعتها إلى مهاجمة وزارة الصحة و”إطلاق النار” في جميع الاتجاهات بالقول: “إنهم يحاربون مرضى السيدا وليس المرض..الناس تايموتو إلى ما كانوش المنظمات”.

نفي للتقصير

في ظل هذه الصرخات التي أطلقها المصابون بالداء، تسير جمعية محاربة السيدا في المسار نفسه، وتعتبر وزارة الصحة مُقصِّرة في واجبها، إذ أكد مولاي أحمد الدريدي، المنسق العام للجمعية ذاتها، أن الأخيرة “توفر ما لا توفره الوزارة من أدوية للأمراض الانتهازية”.

الدريدي، الذي دافع عن جمعيته من خلال تأكيده أنها “تشتغل مع المصابين والفئات الأكثر عرضة من خلال التوعية والوقاية والحث على الوصول إلى التحليلات”، لفت إلى أن الجمعية “توفر ما لا توفره الوزارة من خلال الدعم”، وزاد: “نقدم دعماً نفسيا واجتماعياً داخل المستشفيات عبر مساعدات اجتماعيات أو عبر الوسائط”.

لا يقتصر عمل الجمعية ذاتها، حسب الدريدي، على ذلك فحسب، بل يتجاوزه إلى “توفير خدمات للأطفال، من حليب وغيره”، وزاد: “نساعد حاملي الفيروس على الدراسة، ونوفر لهم التنقل أيضاً، حتى لا يوقف المريض علاجه ويصل في الوقت إلى مواعيده.. ونوفر مساعدات ظرفية أحياناً لمساعدته في تجاوز أزمته”، وهو ما يتناقض مع ما ذهبت إليه كريمة في شهادتها التي تحدثت عن معاناتها مع التنقل للوصول إلى الدار البيضاء.

وأكد المسؤول في الجمعية التي أطلقت حملة “سيداكسيون” أن الدول المانحة خفضت مساهماتها في الصندوق العالمي لمكافحة داء السيدا والسل والملاريا، وهو ما يجعل الوزارة مسؤولة أمام المرضى، مضيفا: “نحن نناضل من أجل حث الدولة على إيجاد إمكانيات تمويل جديدة، لأنه بعد السنوات الخمس المقبلة لن يصبح مرض السيدا بالنسبة للأجندة العالمية ضمن أهداف التنمية البشرية، بل هدفا فرعيا من أهداف التنمية المستدامة، بالتالي على الدولة تحمل مسؤوليتها”.

وحول الاتهامات الموجهة إلىALCS بخصوص طريقة تعاملها مع المصابين بالداء، اعتبر الدريدي أن “الأمر جد عادي، طالما أن الجمعية تشتغل وتقوم بواجبها”، وأضاف: “مقاربتنا حقوقية وليست إحسانية..نحن نناضل من أجل الحق في التطبيب ولا نؤمن بالإحسان”.

وأوضح المتحدث ذاته أن “هؤلاء المرضى يريدون أن يصيروا عالة على المجتمع”، مؤكدا أنه “طالما أن الجمعية توفر الدواء فعليهم الخروج للعمل من أجل توفير حاجياتهم الأخرى”، مشددا على أنه “لا يمكن للجمعية أن تقوم بدفع واجبات الكراء أو العيد”، وزاد: “يمكن أن ندفع ثمن الأدوية والتحاليل، لكن من غير المقبول أن يكون هناك تمييز إيجابي في المرض”.

جمعيات مستاءة

انتقد عبد الصمد أوسايح، الناشط الجمعوي في مجال مكافحة السيدا، غياب إستراتيجية وطنية خاصة بمعالجة المرض، مؤكدا أنه “تمت المناداة في السابق بصندوق وطني لمحاربة السيدا، وصناديق جهوية، وإشراك القطاع الخاص حتى تكون هناك إستراتيجية مستدامة ووطنية مبنية على الحاجيات الحقيقية للأشخاص المتعايشين والأشخاص الموجودين في وضعية هشاشة وعرضة للإصابة”.

رئيس “الجمعية المغربية للشباب ضد السيدا” أكد لهسبريس أن “المسؤولين كان همهم هو الحصول على الدعم المرحلي فقط وليس التمويل المستدام كما وقع في مدينة الدار البيضاء مع صندوق التعاون البلجيكي”.

وقال المتحدث نفسه: “رغم مضي 11 سنة على دق ناقوس الخطر، إلى أننا لازلنا نسمع المعاناة نفسها، وهو ما يجعلنا نتساءل ما إن كان مغرب اليوم يريد زرع كراهية الوطن والحقد عليه في صفوف مرضاه وأصحائه”.

إستراتيجية الوردي

يرى عبد الرحمان المعروفي، مدير مديرية الأوبئة بوزارة الصحة، أن الاتهامات التي توجه للوزارة من لدن المرضى أو من بعض جمعيات المجتمع المدني الناشطة في المجال “غير صحيحة”؛ ذلك أن “الوزارة لها مهمتها وتقدم خدماتها للمواطنين، مع علاج مجاني يقدم للمصابين”، على حد قوله.

وأكد المعروفي، في حديثه لهسبريس، أن “الوزارة تقدم خدمات من العلاج والكشف عن هذا المرض”، مضيفا أن “من أصيب بمرض آخر غير السيدا فإنه يتعامل معه كباقي المواطنين المرضى دون تمييز”.

وحول الشراكة التي تجمع المغرب بالصندوق العالمي، يورد المعروفي أن “نسبة مساهمة الصندوق لا تتعدى سوى 30 في المائة والباقي تتكفل به الحكومة”.

وأوضح مدير مديرية الأوبئة أن الوزارة تضع إستراتيجية لمواجهة هذا المرض، تتمثل أساسا في القضاء عليه في أفق سنة 2030، إلى جانب توسيع خدمات الكشف والعلاج وتقريبها للمواطنين.

وأضاف المتحدث نفسه أن الوزارة ستشتغل مع شركائها، وخصوصا مع المجلس الوطني للحقوق الإنسان؛ “كي نواجه بعض العوائق التي تحد من الولوج إلى خدمات الكشف والعلاج، وتتعلق أساسا بالوصم والتمييز”، على حد قوله.