مفهوم المثقف في عالم متغير

أحمد بيشكو

لقد تساهلنا في تعريف المثقف خاصة بعد أن صار التعليم والإعلام والمعرفة بشكل عام أكثر انتشارا وأوسع مدارا بحيث أصبح كل من هب ودب مثقفا حتى أولئك الذين لا يحسنون اللغة العربية ولا يستطيعون كتابة جملة صحيحة وحتى أولئك الذين لا يرون لأنفسهم رسالة سوى أن يحصلوا الفوائد الشخصية والأرباح المادية والأجدر بنا أن نسميهم المرتزقة بدل أن نصفهم بالمثقفين أصبح العلم يباع ويشترى وكثرة الأخبار الوهمية التي تجذب فضولنا لقراءتها من خلال طابع العنوان السحري اللافت للإنتباه نسينا قضيتنا الأساسية في الحياة التي تتمحور في العبادة وحسن الخلق وطيبة القلب ودخلنا دوامة العالم الإفتراضي الذي أصنفه من بين أقوى المخدرات تأثيرا على الدماغ وعلى الأفكار فالكل منا يريد الهروب من الواقع ولكن الطرق تختلف فهناك من تجده مدمنا على المخدرات والوقوف في الحي ليل نهار لا يكل ولا يمل شغله الشاغل أن يشرب سيجارته المحشوة بالحشيش بدعو (ينسى همومو) والواقع أنه وضع نفسه في دائرة مشاكل أكبر مما كان يتصورها لا من الجانب الصحي والنفسي ولا من الجانب المادي ولا من الجانب الفكري والذي تراه لا يفارق سريره كون الأحلام التي يعيشها في النوم أرحم وألطف مما يعيشه في واقعه ومن يستغل جل وقته في التسكع بين الأزقة والأحياء إما بحثا عن ضحية يفترسها أو يسلب مالها . كل هذا نتيجة الإعلام الفاسد الذي تجرعنا مرارة مشاهدته من أفلام وأخبار وبرامج لا تمت للثقافة التوعوية بصلة ولكنها في الحقيقة عبارة عن رسائل مشفرة زرعت في مجتمعنا أشكالا من الحقد والإحتقار وتعلم أساليب الإجرام
فحينما زهدنا في ثقافتنا ومبادئنا الدينية الأخلاقية واعتبرناها مختلفة وسعينا إلى استعارة ما لدى الآخر من لباس وأكسسوارات ومواد أخرى ومعايير ومقاييس حتى الأفكار قمنا باستيرادها عندها رأينا الجميل قبيحا والقبيح جميلا
وهناك بعض الخونة الذين يهاجمون ثقافة الأمة تحت ذريعة الرغبة في التغيير أو ذريعة عدم الرضا عن الحاضر المريض ويذهبون إلى التشكيك بها فهذا شكل من الإغتيال
الثقافة ضمير يقظ ونفس لوامة لا تسمح له بتنويم وعيه وتخدير حواسه وتمرير ما ترغب السياسة بتمريره وفي مراحل الإنحطاط الحضاري ينشأ انحطاط ثقافي وتصبح الثقافة بلا قيم وبلا مبادئ ولا ينتج عنها عمل وإنما ينتج عنها فساد ثم ينتج الفساد ثقافته وهكذا فإن الإنحطاط والفساد يضخان ثقافتهما التي تنتج مزيدا من الإنحطاط ومزيدا من الفساد وتستمر الدوامة.

يتبع