من معاني الهجرة النبوية

ليس اثر الإسلام بالشيء الهين في الوجود حتى يغفل وينسى تاريخ ظهوره، سواء بالنسبة لأتباعه أو الخارجين عنه؛ لأنه من أحداث العالم الكبرى التي أحدثت انقلابا عظيما في المعتقدات والأفكار والمعاملات والعبادات وسائر المرافق والأحوال الاجتماعية،

 

ان الباحث المنصف إذا وضع خرائط العالم أمامه وتأمل النقطة التي كانت مبدأ انطلاق الإسلام وكيف انتشر، وتأمل كذلك قصر المدة التي انتشر فيها ليأخذه العجب، وإذا درس أحوال الأمم الاجتماعية سواء في الأمم التي اعتنقت الإسلام أو التي تأثرت به ليندهش من عموم هدايته وسيطرة أخلاقه وآدابه على كثير من بقاع المعمور، ولا يقل إعجاب المفكرين في آثار الإسلام كذلك إذا بحثوا عن تلقيحه للأفكار والعقول، حيث تكونت بهذه الحركات الفكرية والعلمية حضارة مزدهرة صهرت الحضارات التي سبقتها في بوثيقة واحدة وطبعتها بطابع جديد وأخرجتها للعالم تزهو في حلل الجمال والكمال.
فأي حدث عظيم في التاريخ يوازي هذه العظمة؟ وأي دين في الوجود استوعب كل مقوم من مقومات الأمم في أرقى صوره وأبدع أشكاله وأقربه للعقول السليمة والقطر القويمة، فجعله من عناصر التكوين للأمم الإسلامية والعربية الخالدة ؟
وهذا ما دفع الصحابة للاتفاق على جعل هجرة الرسول من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة مبدءا لتاريخ الأمة الإسلامية لأنهم أول المعتقدين به وأول المتأثرين بإصلاحه العام الشامل، وأول المصدقين بوعوده التي تحققت على أكمل الوجوه، ومن أهمها الانتصار على دولتي الروم والفرس وإنفاق كنوز كسرى وهرقل في سبيل الله.
والعرب من اصل الإسلام ومادته وهم عماد نصرته، وأعظم دعاته الممتحنين في سبيله بأنواع المحن والمجاهدين لإعلاء كليته الباذلين لأموالهم ونفوسهم بكل كرم.

والعرب من اصل الإسلام ومادته وهم عماد نصرته، وأعظم دعاته الممتحنين في سبيله بأنواع المحن والمجاهدين لإعلاء كليته الباذلين لأموالهم ونفوسهم بكل كرم وسخاء.

ومن أعظم هذه المحن والتضحية بالنفوس والأموال، الهجرة التي قام بها الرسول الأكرم وفريق كبير من أصحابه، والتي كانت نقطة تحول في تاريخ الإسلام ومبدأ انتصارفه من خصومه الأولين، والصفحة الأولى من صفحات العزة والمجد التي اخذ الإسلام يسجلها لأول مرة في شبه الجزيرة العربية قبل نشر دعوته في أقطار المعمور، وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف أن ابتداء التاريخ الهجري يوخذ من قوله تعالى عند بناء مسجده، حيث قال تعالى : لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه» قال السهيلي: وفي قوله سبحانه من أول يوم – وقد علم انه ليس أول الأيام كلها ولا أضافه إلى شيء في اللفظ الظاهر – فيه من الفقه صحة ما انفق عليه الصحابة مع عمر حين شاورهم في التاريخ، فاتفق رأيهم أن يكون التاريخ من عام الهجرة لأنه الوقت الذي عز فيه الإسلام، والذي أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأسس المساجد وعبد الله آمنا كما يجب فوافق رأيهم هذا ظاهر التنزيل، وفهمنا الآن بفعلهم أن قوله تعالى من أول يوم أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن، فان كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذوا هذا من الآية فهو الظن بإفهامهم، فهم اعلم الناس بكتاب الله وتأويله، وافهمهم بما في القرآن من إشارة وإفصاح،

والعرب من اصل الإسلام ومادته وهم عماد نصرته، وأعظم دعاته الممتحنين في سبيله بأنواع المحن والمجاهدين لإعلاء كليته الباذلين لأموالهم ونفوسهم بكل كرم وسخاء.

??? ،وان كان ذلك منهم عن رأي واجتهاد، فقد علم ذلك منهم قبل أن يكونوا، وأشار إلى صحته قبل أن يفعل، إذ لا يعقل قول القائل فعلته أول يوم إلا بإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم أو تاريخ معلوم، وليس همنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره من قرينة لفظ أو قرينة حال، فتدبره فقيه معتبر لمن اذكر، وعلم لمن رأى يعين فؤاده واستبصر.

ولهجرة النبي وأصحابه معنى خاص قد يغاير كثيرا معنى الهجرة اللغوي الظاهر من هذا اللفظ الذي هو انتقال من مكان استقرار إلى مثوى استقرار آخر، اعتبارا للظروف التي أحاطت بهذه الهجرة، والمبادئ التي حملت المومنين الصادقين عليها، والعصبية التي دفعت المشركين إلى شدة إذابة المسلمين حتى أخرجوهم من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.

فهجرة الناس كثيرا ما تكون إلى المصالح الدنيوية مثل التجارة أو الزواج أو الحرث وانتجاع المراعي وما يدخل في هذه الأبواب، أما الهجرة إلى الله ورسالة لتقوية جانب المومنين المدافعين عن دين الله، ولنصرة الرسول الأكرم، ولتلقي مبادئ الإسلام وشرائعه من النبي أو من يقوم مقامه في تبيين دعوة الحق، وللرغبة في إقامة الشعائر الدينية في موطن آمن بكل حرية – ولو كلفت تلك الهجرة ترك الديار والأموال ومفارقة العشيرة في أصعب الأحوال – فلما مغزى خاص واعتبار في حقيقة صدق الأيمان، وقد أشار النبي عليه السلام إلى هذا المعنى الجليل