ينهض الإنسان وحده – دون غيره من المخلوقات – بما عنده من فكر… ……………………………

الرأي السياسي أو التحليل الذي يستحق وضعه بين الاحتمالات المعتبرة هو الذي يعتمد على الأحداث ويفسرها وفق قواعد ثابتة أو راجحة بالتتبع والبحث والنظر. ومن المهم جداً تتبع الأحداث ووضعها في سياق:
منطقي أولاً،
ومنسجم مع خصائص الفاعلين او المشاركين في الأحداث ثانياً.
وهذا وحده لا يجعل الرأي صواباً أو راجحاً، بل يجعله تفسيراً منطقياً أو معقولاً فقط للأحداث، أي أنه محتمل وممكن الثبوت والرجحان كما أنه يمكن رفضه وإسقاطه، ولذلك هو يستحق الاعتبار والمراقبة. ولكن الحكم برجحان الرأي أو التفسير للأحداث والمواقف يحتاج إلى دلائل أو مؤشرات ترفعه من درجة الممكن الى درجة الراجح، وذلك لأن الممكنات كثيرة، ولا تتجاوز ان تسمى تفسيراً ذهنياً منطقياً ما لم تدعمها احداث او مواقف توافق ذلك التفسير فيتقوى بها.
ملاحظة: يشترط في اي رأي أو حكم أن يكون منطقياً. ولكن كونه منطقياً لا يكفي للأخذ به أبداً. فمنطقيته شرط له فقط وليس اكثر.
وكلما ازدادت هذه المؤشرات أو الدلائل ، وهي أحداث ومواقف تنسجم مع التفسير وتؤكده، كلما ازداد رجحان الرأي، وبتكرار هذا الامر من خلال احداث كثيرة ولمدة طويلة (تعتمد مدتها على طبيعة الاحداث والمواقف فاحداث الصراع على عقد تجاري تختلف عن احداث الصراع على منصب رئاسة الجمهورية، وكلاهما يختلف عن تفسير احداث العلاقات الاميركية الروسية الاوروبية الصينية) يصبح هذا الرأي – رغم بقائه ظنياً – بمثابة اصل ثابت يمكن اعتماده في تفسير وتحليل أحداث ومواقف اخرى. وأذا كان موضوعه عاماً يصبح من المفاهيم السياسية الثابتة اي القواعد والاصول. وبالطبع ثبوت المفاهيم والآراء السياسية هو ثبوت لفترة وليس دائما. لأنها مفاهيم عن احداث، وخاصية الاحداث انها تتغير.
مناسبة هذا الكلام هو الاخطاء المشاهدة في تحليلات لا اعتبار عندها او فيها للأحداث. فيا ترى ماذا يحلل هؤلاء او على ماذا يقدمون آراءهم إذا كانوا لا يعتبرون او لا يرون الوقائع والأحداث التي يحكمون عليها. ولكنهم يحكمون من منطلقات ما يحبون او يهوون، أو من منطلقات قواعد او احكام ومفاهيم عفا عليها الزمن وتغيرت وانتهت منذ عقود!!!فأين الفكر في هكذا آراء، مع انه من المعلوم ان السياسة متغيرة، احداثها تتغير يومياً، وقواعدها التي تتميز بثبات معين هي ايضاً تتغير . والطامة تتجاوز عدم اعتبار التغيرات، وتبلغ عدم اعتبار او رؤية الاحداث اليومية. فكمن يرى مصارعاً مهزوما في الحلبة وبالكاد يستطيع الوقوف وخصمه متمكن منه، ثم يقول: ولكن هذا المصارع منتصر وفائز وخصمه منهك وفي مأزق. وما أشبه الأمر بمن ينظر الى السماء الزرقاء الصافية الجميلة فيقول إنها حمراء وقبيحة وتمطر وحولاً. هذه احكام تهمل الوقائع وتتعامى عنها، لماذا؟
هي النفوس، التي تخدع نفسها، وتخادع غيرها، وترى الاحداث بأهوائها، وتتعامى عن الحقائق بالذهاب الى وقائع كانت منذ عقود.

هذا كلام عام، ولكن سببه خاص. سببه هو ما يجري في العالم من احداث ووقائع متتابعة وتترى فيما يتعلق بالحرب الجارية في اوكرانيا، وبالموقف الدولي ومكانات الدول الكبيرة والفاعلة على المسرح الدولي. وكلها تدل على اصطفافات غربية من جهة وشرقية من جهة اخرى، وعلى تحالفات جديدة في الجانبين تعتريها شقاقات فيهما. ومن اهم الظواهر البارزة فشل الغرب في خطته لاستنزاف روسيا وتحطيمها، مع أنها كانت محكمة، وأضرت بروسيا كثيراً، وكادت تنجح اولا الصين وبعض الدول. وكذلك فشل الولايات المتحدة حتى الآن في إيقاع الصين في فخها، وذلك ان الصين تحذر امريكا ولها تجربة سابقة معها. وفشل اوروبا في ضرب روسيا. وتدل على تمدد روسيا في سوريا، واصرارها على خضوع اميركا هناك للقوانين والاتفاقات، وتدل على زرع قاعدة نووية ضخمة ودائمة، رغما عن كل من يعارض الآن. وما نراه ايضا من تمدد روسي في افريقيا، وما نراه من تحطيم لاوكرانيا وقضاء على بنيتها العسكرية، ومن توجه لتأديب بولندة ومن ساهم في التحريض على روسيا. وكذلك ما يراه المراقب من تراجع امريكا عن هذه الاستراتيجية الجارية اوكرانيا منذ اكثر من سنة ونصف، وتوجهها لانهاء الحرب ولوضع استراتيجية جديدة لعلاقاتها مع روسيا والصين. وها هي بداية المفاوضات بشأن اوكرانيا بدأت في جدة.
ثم يأتي من يقول إن روسيا دولة هشة!!! او انها اداة لامريكا، تطلب رضاها وتنفذ سياساتها.
بالفعل إن التنطع فنون، ورحم الله امرءاً عرف قدره فوقف عنده.
اختم بالقول: إن تحليل الاحداث يحتاج للتتبع وللتحري والتحقق، ويحتاج للدلائل او المؤشرات. وليس للأهواء ولا المشاعر او الميول، ناهيك عن تنطع المتنطعين.
فماذا نفعل لمن لا يريد ان يرى!!!
ماذا نفعل لمن لا يريد ان يفكر!!!
رحم الله الشيخ تقي الدين النبهاني، في العام ١٩٥٣ نشر كلامه المؤكد بأن الإنسان ينهض بالفكر عن الكون وووو،
وفي العام ١٩٧٣ اصدر كتاب التفكير ليؤكد هذه المقولة ولكن ليتأسف أيضاً لان هناك من لا يريد التفكير. فكيف سينهض من لا يفكر.
وإذا الانسان لم يفكر او عطل التفكير الذي ميزه الله به عن سائر مخلوقاته، كيف سيكون حينئذٍ، ولماذا شبه الله سبحانه الذين يعطلون ابصارهم واسماعهم وأفئدتهم؟؟؟
لعل الشيخ تقي رحمه الله اراد من اصدار كتابه التفكير ان يقول: لقد قلنا ينهض الإنسان، أي الإنسان فقط، وليس غيره من المخلوقات، ومن لا يفكر او لا يريد أن يفكر فهو غير مقصود بالنهوض، وينبغي إلحاقه بمن ليس عنده فكر أصلاً …
ANAHDA INTERNATIONAL TV PAR///RADO24