حينما تحدت الحسن الثاني عن 11 يناير:أريد أن يذيب كل واحد منا وأن تذيب جميع المنظمات السياسية والنقابية وجميع المؤسسات أنانيتها وتذيب حساسياتها الخاصة في معترك المغرب

خطاب،تاريخي،يربط الماضي بالحاضر

 

اعداد : نجيم عبدالإله السباعي

اخترت هدا الخطاب لانتي أرى فيه الكتير،من المعالم التي افتقدناك الآن مع الأسف..وعلينا كشعب،ومؤسسات نقابية وحزبية انةنقوي،بلدنا بدل أن نساهم في هدمه ..

تحدث جلالة القائد الرائد عن معنى هذه الذكرى, وعن مغزاها في مضمار التاريخ الوطني كله, وفي مسيرة النضال الذي التحم فيه العرش والشعب قبل 11 يناير, وبعده تحدث جلالة الحسن, عن المعركة بالأمس واليوم, وغدا, معركة المغرب عرشا وشعبا وقال جلالة الحسن الثاني: إن 11 يناير 1944 لم يكن صدفة من صدف التاريخ بل كان وليد معركة التحم فيها ملك وشعب, والتقيا وانصهرا معا فعبرا بالفكر والعمل عن وحدة الهدف والمستقبل.
وقال قائد مسيرة شعبنا المظفرة: إن 11 يناير 1944 كان ملتقى القوات الحية في البلاد مع ملكها, وليس بعزيز أن لا يتكرر هذا اللقاء وليس بالمستحيل الا نلتف الكلمة من أجل نفس المعركة ونفس الهدف.
وأعلن جلالة الملك أنه قد شرع في إجراء مقابلات, وسيجري المزيد منها مع جميع الذين يمتون إلى مصالح الأمة بقرابة من أجل أن ينصهر الجميع, بلا أنانية ولا حساسيت في معترك المغرب ضد التخلف والجوع والفقر.
وأعلن القائد العظيم أنه سيعرض في الأاسابيع المقبلة برنامجا من شأنه أن يروق الشعب المغربي وأن يعطي المدلول لخطاب رابع غشت.
و هذا هو النص الكامل للخطاب الذي وجهه قائدنا العظيم جلالة الحسن الثاني إلى الأمة:

الحمد لله, والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

شعبي العزيز :
نحتفل اليوم بذكرى حافلة بالمفاخر زاخرة بالذكريات, ذكرى ستبقى من أجل معالم تاريخنا, تلك المعالم التي تنير الطريق والتي تربي الأجيال، والتي على سننها يجب أن يسير كل مواطن مخلص لبلده ولمقدساته.
لماذا نحتفل بهذه الذكرى والحالة هذه أن تاريخ المغرب منذ أن انقض عليه المستعمر وهو مليء بمعارك خلدت اسمه واسم الأبطال الذين خاضوا تلك المعارك؟ ذلك لأن ذكرى 11 يناير 1944 تكتسي صبغة خاصة تعرفها وأعرفها، ولكن سأحاول أن أعطيك نظري في تحليلها وتفسيرها.
إننا نقرأ في تاريخ المقاوة المغربية أن معركة (( لهري)) بناحية خنيفرة وقعت سنة 1914 .
وبعد ذلك نرى في التاريخ أن معركة (( أنوال)) بالريف وقعت في يوليوز 1921.
ونستغرب ونتعجب حينما نقرأ كذلك في التاريخ أن المقاومة المغربية لا زالت قائمة الذات إلى سنة 1933 حيث وقعت بناحية تينغير معركة (( بودافر)).
هذه المعارك إن دلت على شيء فإنما دلت على أن من شمال المغرب إلى جنوبه وفي وسطه لم يخضع أبدا المغاربة أمام قوة المستعمر وأمام سلطانه فكانت مثل هذه المعارك تقض مضجع المستعمر وتهدد أمنه، ولكن معركة يناير 1944 أظهرت له أن هذه المعركة تهدد وجوده وكيانه, ذلك أنها أولا لم تكتس صبغة حربية, فلا يمكن إذ ذاك أن يقول أي قائل إن الغلبة ستبقى للقوي أو ستبقى للضعيف ولكن خاضها المغرب بالسلاح الفكري، والأفكار والعواطف والمبادئ لا تكيف ولا تقيم إلا بضوابطها وإلا بمشروعيتها.
وهل هناك مشروعية أكبر من مشروعية أن يطالب شعب بأكمله بالتمتع بالاستقلال والحرية في ظل نظام ملكية دستورية؟
أية قوة من القوات يمكنها أن ترد شعبا التقى هو وملكه وطلب من ملكه أن يعبر عن رغبته وصار الملك مقابلا شعبه طاويا نصف المرحلة حتى وقع الالتقاء. بعدما وقع الالتقاء وقع التعبير بالكيفية المشروعة عن مطالب المغرب وعن مطامحه في أن يعيش في نظام مستقل كريم .
إننا, شعبي العزيز, علينا أن نستخلص العبر من هذه الذكرى, ذلك أنها ذكرى عبرت ولازالت تعبر عن واقعية الملكية المغربية, تلك الملكية التي لم تفرض ولن تفرض نفسها بالضغط على شعبها, تلك الملكية التي لم تكن قط في يوم من الأيام هي في واد وشعبها في واد, تلك الملكية التي انعكس فيها شعبها وذلك الشعب انعكس فيه ثبات وإيمان ملكيته.
فإذن يمكننا أن نقول إن 11 يناير 1944 كان ملتقى بين القوات الحية لهذه البلاد وبين ملكها, وليس بعزيز شعبي العزيز أن لا تتكرر مثل هذه اللقاءات، وليس من المستحيل أن نطمح ونأمل جميعا في أن تلتف الكلمة ويجتمع الشمل بل أرى من أوجب واجباتي أن أكون دائما سائرا في طريق واحد, ألا وهو توحيد الكلمة وإرضاء الرغبات, وإعطاء الفرص لكل رجل ولكل امرأة أرادا أن يعملا بحسن نية وأن يعملا في صالح بلدهما.
إن الأحداث التي عاشها المغرب في السنة المنصرمة, إن أظهرت شيئا فإنها أظهرت على أن الجسد المغربي ولله الحمد طاهر في جميع أنحاء المغرب وفي جميع مستويات الشعب. سنرى أن في ذلك اليوم المشؤوم، والذي نحمد الله عليه وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم, نرى أن وحدات جيشنا ووحداتنا المسلحة لم تتحرك ولم تقم بأي عمل من شأنه أن يكون عملا يشين إلى سمعتها ويضر بسمعتها، بل بقيت صامدة, نرى أن شعبنا لزم الهدوء والاطمئنان, رأينا أن المنظمات النقابية والسياسية لزمت كذلك الرصانة والحكمة, واستنتجنا من هذا كله أن الأمة المغربية بجميع عناصرها لا زالت أمة نقية طاهرة قابلة لكل ثقة وجديرة بكل معروف.
لذا قررنا أن نجري مقابلات، ونحن نجري الآن مقابلات، وسنجري مقابلات في الأيام المقبلة مع جميع الذين يمتون إلى مصالح الأمة وتمثيلها بقرابة سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الفلاحية أو التجارية أو الصناعية أو الاجتماعية‘ حتى يمكننا أن نعرض عليك شعبي العزيز في الأسابيع المقبلة برنامجا من شأنه أن يروقك, من شأنه أن يعطي المدلول لخطابنا, خطاب رابع غشت الذي قلنا فيه إن ركب الدولة يسير، ولكن قاطرة الدولة مستعدة لأن تحمل معها وفيها كل من أراد أن يعمل لصالحها وأن يعمل لصالح هذا الشعب الذي يستحق كل خير .
وها نحن نكرر إرادتنا لتجنيد جميع القوات حولنا وحول برامجنا حتى يمكن أن نثبت بشعبنا وبأمتنا تلك الوثبة التي نرضاها له في خضم المشاكل التي يعيشها في النصف الثاني من القرن العشرين.
وأملي أن يسفر هذا العمل لا على تجنيد, لأن التجنيد فيه نوع من الإكراه، ولكن على هبة, أريد أن يهب كل واحد منا نفسه وقلبه وحياته ونشاطه وأفكاره وطاقاته وكفاءاته, أن يهبها لهذا البلد الأمين.
أريد أن يذيب كل واحد منا وأن تذيب جميع المنظمات السياسية والنقابية وجميع المؤسسات أنانيتها وتذيب حساسياتها الخاصة في معترك المغرب, ألا وهو معترك التغلب على التخلف والجهل والجوع والفقر.
أريد شعبي العزيز أن لا يقال فينا وعنا في السنوات المقبلة إن لقاء 11 يناير 1944 كان صدفة من صدف التاريخ ولكنني أريد أن يقال عن هذه الذكرى إنها ذكرى لها حلقات وإن تلك الحلقات هي التي تكون السلسلة التي نرسي بها سفينة المغرب, تلك السفينة التي تبقى وستبقى رغم ما يكيده الكائدون ورغم طمع الطامعين, نريد أن تبقى سفينتنا راسية في ميناء الخير وفي ميناء البركة .
أملي أن يوفقني الله سبحانه وتعالى لما فيه خير هذه البلاد.
أملي أن يملأ قلوبنا جميعا بذلك التسامح الفكري الذي ليس هو ضعفا ةلكن هو قوة في الحقيقة.
أملي أن تذوب في معترك المغرب كما قلت لكم جميع النزوات والنزعات والخصومات.
أملي أن يوفقني الله في القيام بهذه المأمورية, ألا وهي أجل مأمورية في مهامي، بحيث أنها ترمي إلى جمع الشمل وجمع الكلمة.
والسلام عليكم ورحمة اللهىوبركاته

عن مجلة دعوة الحق