الطريق الى استيف

الطريق إلى أستيف
——————-
بالرغم من الحرارة المفرطةالتي وجدنا عليها مدينة ايمينتانوت ، فقد نزلت الكلمات الرقيقة لرئيس جماعة لالة لعزيزة ونائبها البرلماني بمعية ممثل السلطة المحلية ، بردا وسلاما علينا ، وجعلتني شخصيا اتناسى قليلا ما ينتظرنا من منعرجات بين جبل تيكورت وواد أيت محند حيت يوجد دوار أستيف .
فالمجال الجغرافي هناك وعر وصعب ،كما أن المناخ بالمنطقة شبه جاف : أي حار صيفا وبارد شتاء .. ومع اني لم اتفوه بكلمة طيلة اللقاء ، فإن جبال سكساوة كادت تشدني اليها وتتحدت الي في صمت إد امكنني رؤيتها وهي تقف شامخة في وجه الزمان تحكي بكبرياء مهيب كيف اتخد منها الأجداد حصونا وقلع ، كانت مسرحا لبطولات خالدة سطرت بدماء المقاومين في معركة الحرية الإستقلال .
ولأننا كنا نشعر اننا بدانا نرتفع شيئا فشيئا عن سطح البحر ، فإن دلك لم يكن ليخيفنا كتيرا ، فالطريق من إمينتانوت إلى مقر جماعة لالة لعزيزة كانت معبدة وغير متعبة ، لدلك لم نعرها أي انتباه .
لكن ما أن تركنا سياراتنا و ركبنا أخرى قيل لنا أنها الوحيدة القادرة على تسلق الجبال و عبور الأودية .. حينها فقط علمت أن الرحلة قد بدأت بالفعل .. رحلة ” الخير و الكرامة ” كما يحلو للحاج نجيم أن يصفها .
لقد كان منتصف النهار عندما نزلت أولى قطرات المطر وانا اجلس إلى جانب السيد الرئيس الدي كان يسوق بحنكة سيارته الجماعية من نوع جيب .. وعندما سألته كيف اكتسب مهارة السياقة فوق الصخر و الحجر أجابني بأنه كان يتنقل هناك بداعي التجارة رفقة الوالد رحمه الله تعالى ، قبل أن يصبح رئيسا لجماعة لالة لعزيزة.
طبعا لم أكن لأفوت الفرصة كي أجري حوارا – ولو من تحت الحساب – مع الرئيس الدي كان معي كريما للغاية ، إذ لم يتحفظ في شيئ .. ولم يخف عني شيئا ، وكما وعدته سأحتفظ بالمعلومات لنفسي ولن افش له سرا.
إلا أنه كان يتفوه لأحد مرافقيه بكلمات أمازيغية فهمت في ما بعد أنه كان يخشى علينا وعلى نفسه من تداعيات الأمطار التي كانت تشتد كلما اقتربنا من دوار استيف ، لاسيما ونحن نسير بطريق شقت داخل الواد، يبلغ طولها زهاء 8 كلم.
نعم ، اكيد أن الأغلبية منا أحست بنوع من العياء وكتير من الخوف و التوتر ، فقد عاينا عن قرب وعورة المسالك وخطورة المنعرجات .. وكيف أن الطريق إلى أستيف إستحقت أن ينعتها الأهالي .. بطريق الموت ؟
لكن ، وبمجرد ما أن صرنا قاب قويسين أو ادنى حتى تناهت إلى آداننا اصوات اطفال ترتفع وجمهور من الناس شيبا وشبابا اصطفوا على جانبي الطريق بمدخل دوار استيف وهم يتلون كتابالله بشكل جماعي إمعانا في الترحيب بنا.
حقا إنه مشهد صدمنا جميعا ،بل وجعل البعض منا يجهش بالبكاء تأثرا و انبهارا .. إذ كيف لدوار يخرج نساءه ورجاله وكل اطفاله وشبابه .. ويقف صابرا تحت زخات المطر .. لا لشيء سوى لإستقبال رجال الصحافة ونشطاء حقوقيين وجمعويين .. ؟
انه بالفعل أسمى تعبير عن مشاعر التقدير و الإحترام لأناس غرباء قطعوا مسافات وتحملوا مشقة الطريق .. فقط من أجل إسماع صوت ساكنة تعاني من العزلة و تطالب بحقها في التنمية و العيش الكريم.
نعم ، ليس من السهل العيش بين قمم الجبال وعلى مرمى حجر من عبور الأودية ذات المياه العارمة التي تغمر البيوت و تقلع الأشجار .. وتأتي على الأخضر واليابس ؟ ؟
لا ليس سهلا أن تتعايش مع العواصف الرعدية والثلوج القاسية التي تضرب الحصار على المداشر و الدواوير، فتطول المعاناة وتكتر المآسي بين حامل على وشك أن تضع ، ورضيع بحاجة ماسة للعلاج والدواء. حيت تقطع الطرق و يعزل الناس عن الأسواق ومراكز الاستشفاء ؟ ؟
لقد حرصت طيلة الوقت الدي جمعنا بهؤلاء الصناديد أن استمع بقلبي لآمالهم وطموحاتهم ،والتي لم تتجاوز حد المطالبة بفك العزلة عنهم، من خلال شق المزيد من الطرق و بناء القناطر ، بالإضافة إلى تشييد مراكز القرب دات البعد الصحي و الإجتماعي مع تمكين الأطفال والشباب من مؤسسات تعليمية وترفيهية .
ربما تكون الندوات والورشات التي نظمت واللقاءات المباشرة مع الساكنة قد أعطتنا فكرة عن انتظارات الناس بهده المنطقة الجبلية ، لكن يبقى على منظمات المجتمع المدني هناك و المجلس الجماعي المسؤولية الكبرى في تحقيق إقلاع تنموي حقيقي من خلال توقيع شراكات عمل وتعاون و الإنفتاح اللامشروط على الآخر بهدف تبادل الخبرات وجلب الإستثمار .
إلى أن يتحقق دلك بحول الله وقوته وصبر الساكنة و عزيمتها ،
لايسعني في الحقيقة إلا أن توجه بالشكر الجزيل لهؤلاء البسطاء الطيبين من وجوه الخير، على حفاوة الإستقبال و كرم الضيافة سائلا المولى عز وجل أن لا يحرمنا من اللقاء بهم مرة اخرى و قد تحققت أحلامهم المتواضعة و مطالبهم المشروعة .
بقلم : عبدالحق الفكاك